السفر العاجل
فأعجب سعيد بتدبيرها وثبات جأشها ورأى نفسه ضعيفاً بين يديها ولم يستطع مخالفتها فقال لها «لا نلبث أن نتبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود. وها إني خارج إلى جبل المقطم فهل يوافيني عبدك وجملك إلى هناك؟»
قالت «إنه سيوافيك حالاً سر بحراسة الله واحذر أن تفوتك الفرصة. إن ابن ملجم قد سبقك إلى هناك … هل فهمت ذلك؟» قالت ذلك ومدت يدها إليه فصافحها ويده ترتعش وقد نسي حاله لحظة ثم تذكر ما هو فيه من الأمور الهامة. وربما اضطرب قلبه بين يدي خولة ولكن حبه قطاماً مازال غالباً عليه على أنه عول في باطن سره إذا نجح في مهمته أن لا يدع خولة تخرج من يده فيجعل لها مقاماً في قلبه. فقال لها «أرجو أن تذكريني وتدعي لي بالتوفيق».
قالت وقد فهمت مراده «سر إني معك وإن كنت في الفسطاط وأرجو أن يجمعني بك يوم ينجو به الإمام من أيدي الظالمين وينال ما يستحقه من الاستقلال بالخلافة».
فاتخذ قولها تعنيفاً له لافتكاره بالحب ونحوه وهو في مهمة أرفع منزلة من ذلك.
أما هي فِأسرعت في وداعه وألحت عليه في سرعة المسير وأكدت له أن يلاقي عبدها والجمل وراء المقطم ثم تحولت بسرعة إلى الفسطاط.
فلما تركته وحده حول وجهه إلى النيل حيث كان القارب. وتأوه وتحسر وقال «استودعك الله أيها الصديق الحميم أستودعك الله أيها الأخ الحبيب لا غرق إذا ذهبت ضحية في سبيل نصرة أمير المؤمنين إنك إذاً قضيت عزيزاً وأنت حي ستلقى ربك باسماً مفتخراً فادع لي أن ألقاه منتصراً على القوم الظالمين».
قال ذلك وتحول يلتمس جبل المقطم ولم يدركه حتى انبلج الصبح فلقي العبد وقد سبقه إلى هناك ومعه الجمل وسائر معدات السفر.