تمام الحيلة
فلنتركه سائراً يطوي البيداء ولنعد إلى قطام في الكوفة وما كان من دهائها ومكرها بعد سفره. فقد ذكرنا إرسالها عبدها إلى الفسطاط للوشاية بسعيد وعبد الله ثم خلت بلبابة فقالت لها «لقد تمت لنا الحيلة في قتل هذه المغرورين فإنهما مقتولان لا محالة. بقي علينا أن نعلم من هو المؤامر على قتل عليّ فإذا عرفناه نشطناه على قتله وساعدناه فإن قبيلتي كلها تنصره في ذلك».
فضحكت لبابة وقالت «إنه أمر سهل فإن عبدك ريحان ماهر بأساليب الدهاء مثل سيدته ولا نظنه وإلا عائداً إلينا بالخبر اليقين وإما تحريض ذلك المؤامر على القتل فهو أسهل وخصوصاً إذا رأى هذا الوجه الجميل فإنه مفتتن به لا محالة فما عليك حينئذ إلا أن تعديه بالزواج وتجعلي قتل عليّ مهراً حلالاً لك … كيف رأيت رأيي».
فقالت قطام بورك فيك يا خالة والله إنك معبرة عن إحساسي. أما وعده بالزواج فهو أمر سهل عليّ ولا نظننا نحتاج في البحث عن ذلك الرجل إلى كبير مشقة فإنه إذا دنا الميعاد المضروب لابد من قدومه إلى الكوفة وإذا جاءها فلابد من أن يطلع أحداً من أهلي على عزمه لعلمه أننا على دعوته. فإذا عرفناه هان عليّ كل عسير.
صدق القائل «كل سر جاوز الاثنين شاع» فلم يدخل شهر رمضان حتى تحدث أهل الكوفة في حادث فظيع يخافونه على حياة أمير المؤمنين وكان الناس يتداولون ذلك الخبر همساً وهم لا يعبأون به لأنه غير مسند إلى شاهد ولا أحد عرف القائل. فضلاً عن علم العقلاء منهم أن أمثال تلك الإشاعات جائزة في مثل ما كان فيه الإمام عليّ يومئذ. ولم يفت الإمام وأهل حاشيته شيء من تلك الإشاعة ولكنهم لم يعبأوا بها وحملها أهله وأصحابه على إشاعات ينشرها ذوو الأغراض. ومما تحسن الإشارة إليه أنك قلما ترى حادثاً فظيعاً لم تتقدمه الإشاعات المنبئة بقرب وقوعه. وهو سر لا مهمة ومهما يكن من الأمر فإن أهل الكوفة كانوا يتحدثون ببلاء يخافونه على أمير المؤمنين ولكن أكثرهم كانوا لا يكترثون.
ومضت أيام ودخل شهر رمضان فأصبحت قطام قلقة لتعرف من هو المؤامر على قتل الإمام عليّ لتنصره أو تحرضه. فلما اقترب نصف الشهر ولم يأت أحداًً ولا سمعت بأحد ظنت المؤامرين عدلوا عن عزمهم تهيباً وفرقاً واستبطأت عندها ريحان وقد كانت في انتظار قدومه لعلها تسمع منه شيئاً عن أولئك المؤامرين ولكي تسأله عما آلت إليه حال سعيد وعبد الله. على أنها لم تكن تشك في وقوعهما في الفخ.