لبابة وابن ملجم
وانصرف ريحان وعادت لبابة إلى قطام وملامحها تدل على إعجابها بدهاء قطام وابتسمت وهي تقول لا ريب عندي أننا فزنا بما نريد وقلبي يحدثني أن علياً سيقتل ويشفى غليلنا منه على أهون سبيل.
أما قطام فظلت صامتة وقد أقطبت حاجبيها كانت تفكر في أمر ذي بال.
فقالت لها لبابة ما بالك يا قطام ما الذي حدث لك فأوجب هذا الاهتمام قالت إني خائفة يا خالة.
قالت ما الذي يخيفك؟
قالت إني خائفة من سعيد فقد قال لنا ريحان أنهم لم يقبضوا عليه في الفسطاط ولا يبعد أنه اطلع عل اسم المؤامر وميعاد القتل ولا أخاله إلا قادماً بخبره إلى عليّ فإذا أخبره بأمره تعرقلت مساعينا وذهبا سعينا عبثاً.
فقالت لبابة وما الرأي يا بنية؟
قالت لابد لنا من تدبير الأمر بالحكمة وتدارك الحادث قبل وقوعه.
قالت هات رأيك.
قالت أرى أولاً أن نسعى في إمساكه عن الذهاب إلى عليّ. إذ قد يتراءى له أن يسير إليه خال وصوله الكوفة.
فقالت وهذا سهل فإننا نبعث ريحان فيلاقيه في مكان خارج الكوفة لابد له من المرور فيه فإما أن يؤخره عن دخول الكوفة أو أن يدعوه إلينا بحجة اشتياقك الشديد إليه!! ولا أشك أنه إذا سمع بشوقك نسي كل شيء وطار إليك. ومتى جاءنا استبقيناه بأي حيلة كانت وإذا لم يبق مختاراً أبقيناه مجبوراً. ما قولك؟
قالت أرى مثل رأيك ولكننا الآن في الخامس عشر من رمضان ولم يبق إلا يوم واحد قبل اليوم المعين فلابد من المبادرة في إرسال من يوقفه خارج الكوفة أو يستقدمه إلينا وريحان قد سار إلى أهلي وربما أبطأ علينا.
قالت لبابة دعي هذا إليّ إني ذاهبة في أثر ريحان فأبعثه إلى خارج الكوفة وأبحث عن ابن ملجم بنفسي وذلك سهل عليّ لأني أعرفه شخصياً. قالت ذلك وتبرقعت وتناولت عكازها وخرجت تعدو ولا عدو الشباب.
وخلت قطام بنفسها فتأملت بما هي فيه من الأمور وراجعت في مخيلتها ما دبرته من الحيل في سبيل قتل الإمام فرأت أنها أحسنت بإرسال ريحان فإذا نجح في إيقاف سعيد ونجحت لبابة في استقدام ابن ملجم وتم لها إغراءه وتشجيعه نالت هي بغيتها وانتقمت لأبياها وأخيها. ولما تصورت وقوع ذلك انقبضت نفسها لفظاعة ذلك الأمر ولكن شوقها للانتقام هوّن عليها كل صعب.
وكانت قطام زكية الفؤاد متوقدة الذهن ولو أنها كانت حسنة الخلق رقيقة العواطف واستخدمت ذكاءها وفطنتها في سبيل الخير لأتت بأعمال يعجز عنها أعاظم الرجال ولكنها خلقت شريرة شديدة الانتقام فاستخدمت تلك الجوهرة الثمينة في سبيل الأذى. وذلك كثيراً ما يحدث بين الناس اليوم وغداً. فترى أناساً خصتهم العناية بذكاء ومهارة وصفاء ذهن فيصرفون تلك القوى في سبيل الشر ويوجهونها إلى الإضرار بالناس طوعاً لمطامعهم أو رغبة منهم في انتقام أو نحو ذلك.
فأعملت قطام فكرتها بعد ما تهيأ لها من ضروب الحيل فوجدت أنه لا يزال ينقصها احتياط واحد لابد من تداركه. وذلك أن سعيداً ربما لا يلتقي بريحان لاختلاف في الطريق أو ربما التقى به ولم يصغ إلى قوله والتمس الذهاب إلى الإمام عليّ فأطلعه على سر المؤامرة. فلما تصورت ذلك خفق قلبها واضطربت حواسها ونهضت للحال وجعلت تمشي في غرفتها ذهاباً وإياباً وتخرج منها إلى الغرفة الأخرى وهي تود أن تعود لبابة لتتداول وإياها في هذا الأمر وندمت على إرسالها في تلك المهمة قبل الافتكار في ذلك.