خطبة جديدة
وكان عبد الرحمن ينظر إليها من طرف خفي ويلاحظ ملامحها فافتتن بها أيما افتتان وكان قد سمع بجمالها وود لو أنها تكون له. ولما لقيته لبابة لم تذكر له شيئاً مما عرفوه عن عزمه ولكنها قالت له: علمت بمجيئك الكوفة واعلم أنك تحب الحسان وأعرف واحدة منهنّ ليس أجمل منها في العراق. فجاء ولما رآها تحقق ما سمعه فانشغف بها ومن عجيب أمر هذا الرجل أنه مع عظم ما انتدب نفسه له من الأمر الهائل بقتل أمير المؤمنين وقرب اليوم المعين لم يشغله عن مغازلة الحسان شاغل. فلما سمع كلام قطام ورأى إجهاشها قال: وما الذي يحزن مولاتي؟ ألا أستطيع تفريج كربتها؟
فقالت لبابة: لا يخفى عليك ما أصابها على اثر واقعة النهروان فقد قتل والدها وأخوها رحمهما الله وهي لا يمضي يوم لا تذكر تلك المصيبة وتبكي ذينك الفقيدين ولكنني أريد أن أشغلها عن هذه الأحزان بمن يليق بها ….
ففهم عبد الرحمن أنها تلمح إلى خطبتها له فقال: إني والله أكون أسعد حظاً من الجميع إذا تمّ لي ذلك.
فتجاهلت قطام وقالت: وما الذي تتمناه يا سيدي؟
قال: لقد جئتك خاطباً وأنت في أحزانك عساي أن أستطيع تفريجها فاطلبي مني ما تشائين مما تقر به عيناك.
فتنهدت قطام ثم قالت: إني لأعجب من تسرعك في الطلب ونحن لم نلتق قبل الآن.
فقطعت لبابة كلامها قائلة «نعم إنكما لم تلتقيا قبل ولكن لبابة تعرفكما جيداً وإذا أذنت مولاتي بكلمة فأقول إنكما إنما خلفتما لتعيشا معاً».
فسكتت قطام فقال ابن ملجم «ومع ذلك فاطلبي ما تشائين فيكون لك».
فظلت قطام ساكتة برهة تتظاهر بالحياء والتردد إتماماً للحيلة. ثم التفتت إلى لبابة كأنها تقول لها «إني استحي أن أقول» فقالت لبابة أنا أقول.. اجعل مهرها ثلاثة آلاف دينار وعبداً وقينة.
و لم تتم لبابة قولها حتى صاحت قطام «لا. لا يرضيني ذلك ولا مطمع لي في المال كما تعلمين» فقال عبد الله «اطلبي ما تريدين».
فتظاهرت بالتمنع وصبرت هنيهة كأنها تستخف بما اقترحه عليها من الطلب ثم قالت «إن مهري إنما هو قتل عليّ بن أبي طالب قاتل أبي وأخي».
فابتسم عبد الرحمن ونظر إليها ويده على قبضة سيفه وقال «إن ذلك وما قالته هذه الخالة سيكونان لك: ثلاثة آلاف دينار وقتل ابن أبي طالب وعبد وقينة. فإن مثلك لا يعز في سبيل نيلها مهر. واعلمي أني إنما جئت الكوفة لهذه الغاية انظري إلى هذا السيف (وجرده فلمع نصاله لمعاناً شديداً) إني اشتريته بألف وسممته بألف لأقتل عليّ ابن أبي طالب به.
فابتسمت وقالت ولكنني أرجو أن يكون ذلك عاجلاً لئلا تفوت الفرصة فقال إن موعدنا قريب لم يبق منه إلا يوم وليلة سأقتله في صباح ١٧ من هذا الشهر المبارك أي بعد غد فاطمئني.
قالت وكيف عينت اليوم والساعة ألا يستحسن أن يكون ذلك غداً؟
قال إن لذلك سبباً سأذكره لك بعدئذ ولكنني أقول الآن إني مقيد في إنفاذ مهمتي في صباح ذلك اليوم.
فسكتت قطام وهي تتجاهل ما علمته من أمر المؤامرة.
وكانت لبابة عالة بغياب ريحان وأن لابد من زاد يتناوله الضيف فاستدعت عبدها في أثناء قدومها فجاء وأعد لهم طعاماً تناولوه.
وما صدقت قطام أن خلت بلبابة لحظة فأشارت إليها أنها تحب مخاطبتها في أمر ذي بال على انفراد فاحتالت هذه على عبد الرحمن حتى التمس الخروج إلى السوق في شغل له وخلت قطام بلبابة للبحث عن تمام الحيلة.