ريحان وبلال
وكان سعيد قد قضى مسافة الطريق في قلق على الإمام وما صدق أنه أطل على الكوفة فانفرجت أزمته وعوّل أن يسير تواً إلى منزل عليّ. فلما وصل إلى تلك الشجرة ترجل وترجل عبده على نية الاستراحة هنيهة ثم المسير. فاستقبله ريحان وسلم عليه فلما رآه سعيد استأنس به ورد السلام ثم قال له ما الذي جاء بك يا ريحان؟
قال «إن سيدتي منشغلة الخاطر لطول غيابك» وأشار إليه أن يدنو منه ليبث إليه ما اؤتمن عليه من السر. فدنا منه على انفراد وانشغل بلال بسياسة الجملين.
فقال ريحان «أن سيدتي قطاماً تقرئك السلام وتقول لك لقد أطلت الغيبة عليها أنت وسيدي عبد الله».
فتنهد سعيد وقال «لا تذكر عبد الله فقد تركناه في مصر» قال ذلك وهو لا يريد أن يطارح العبد في مثل هذه الشؤون أنفةً وترفعاً فاكتفى بالسكوت فسكت ريحان عن سؤاله وهو يعلم أن عبد الله أغرق في جملة من أغرقهم عمرو بن العاص في النيل ولكنه قال «وماذا أقل الآن لسيدتي هل أنت قادم للمبيت عندنا الليلة فإنها قد أعدت لك كل وسائل الراحة».
فلبث سعيد برهة تتنازعه عوامل الشوق إلى قطام وبواعث العجلة إلى عليّ فرأى أن ميعاد القتل قد آن فإذا بات تلك الليلة في منزل قطام تمتع برؤيتها ويشف سماعه بحلو حديثها أصبح في الغد وقد قتل عليّ لأن المؤامر لا يتأخر عن فعلته إلى ما بعد صباح السابع عشر فقال «إذا ذهبت إليها الليلة أراها برهة ثم أسير إلى عليّ» قال ذلك والتفت إلى بلال فرآه مهتماً في إعداد العشاء فناداه باسمه فجاء فلما سمع ريحان اسم بلال اختلج قلبه فى صدره ولما دنا منه وتفرس فيه عرف أنه عبد خولة وكان قد لقيه في الفسطاط وباح له بمهمته ولم يكن يخطر بباله يومئذ أنه سيأتي مع سعيد فارتبك في امره وحاول إخفاء حاله لئلا يراه بلال فيعرفه. أما بلال فلما دعاه سعيد أسرع إلى ما بين يديه فقال سعيد «ألا ترى أن نسير تواً إلى الكوفة».
قال بلال «الأمر لمولاي ولكنني أعددت لك طعاماً ألا تتناوله ونستريح هنيهة ثم نسير إلى حيث تشاء».
قال «ولكن بعض أهلي بعثوا في استقدامي للعشاء».
والتفت بلال إلى ريحان فرآه قد تقهقر إلى جزع الشجرة يتستر بظلها فلم ينتبه له وكان سعيد قد أنس ببلال في أثناء الطريق وأطلعه على حديث المؤامرة فاغتنم بلال تلك الخلوة فقال لسعيد «ألا ترى يا مولاي أن تتم مهمتنا التي جئنا بها من الفسطاط قبل كل شيء إني أخاف أن يكون ذهابنا إلى أهلك سبباً في التأخير وهم ربما لا يعلمون الغرض الذي يدعونا إلى الإسراع وربما حدث لك بعد العشاء ما يؤخرك عن تلك المهمة أما إذا أنفذنا مهمتنا وأطلعنا الإمام على ما خبأه له أهل البغي تمضي إلى حيث تشاء هذا ما أراه والأمر لك. على أني قد أعددت لك الطعام الآن فإذا شئت أكلت ثم فعلت ما يتراءى لك».
فارتاح سعيد لهذا الرأي ولكنه أراد أن يخبر بلالاً باطلاع ريحان على سر الأمر فقال له» ولا أخفي عليك أن هذا الهام (وأشار إلى ريحان) من جملة الساعين في ما نحن فيه».
فقال بلال «فهو يعذرنا إذاً إذا رأى أننا نفضل المسير إلى منزل الإمام علي. تفضل الآن إلى المائدة وأنا أشتغل معه في تهيئة الجملين فإذا فرغت من الطعام سرنا جميعاً».