انكشاف الخديعة
قال ذلك وتحول نحو ريحان وكان ريحان واقفاً بجانب الشجرة وهو يود أن لا يخاطبه أحد. وحدثته نفسه أن يرجع إلى الكوفة لئلا يراه بلال فينكشف أمره.
ولكنه ما لبث أن رأى بلالاً يدنو منه ويكلمه فرد عليه بصوت منخفض وهو يتشاغل بإصلاح نعليه وشملته لا يرفع نظره إليه. فاستغرب بلال ذلك فتقدم إليه وناداه وقال «تعال يا أخي نمكث هنيهة ريثما يتناول مولاي طعامه ثم نسير معاً».
فسكت ريحان ولم يجب ولكنه تظاهر بأنه أضاع عصاه وتحول للبحث عنها وبلال يتبعه ويعجب لما يبدو منه. فلما بعد ريحان عن ظل الشجرة بانت سحنته فتذكر بلال أنه يعرفه وفطن للحال أنه هو الذي أسر إليه بخبر مهمته إلى الفسطاط. فانتبه أن في الأمر خديعة وخصوصاً لما رآه يحاول إخفاء وجهه. فتقدم إليه وأمسكه بيده وقال «تعال يا صاحبي نمكث هنا ريثما ينهض مولانا فنسير معاً» فلم ير ريحان خيراً من أن يجتذب يده ويتظاهر بالغضب فتبعه بلال وهو يقول «يظهر أنك لم تعرفني يا صاح ألا تذكر أننا التقينا في الفسطاط».
فصاح ريحان «وأي فسطاط.. إني لا أعرف الفسطاط ولا أعرفك قبل الآن وليتني لم أعرفك فقد أضعت عصاي بسببك».
فسمع سعيد صياحه وكان قد جلس إلى الطعام فنظر إليهما عن بعد فرآهما يتحاوران فوقف ونادى عبد قطام قائلاً «لا تغضب يا ريحان إن بلالاً على دعوتنا».
فتهيأ لريحان غير السكوت والمجيء إليه لئلا تتأكد الشبهة عليه. ولكنه أصر على نكران ذهابه إلى مصر.
فلما دنا من سعيد قال له «ما بالك تخاصم بلالاً».
قال «إني لا أخاصمه ولكنني أضعت عصاي وفيما أنا أبحث عنها جاءني بحديث لا أعرف له أصلاً».
قال سعيد «وما ذلك يا بلال وما الذي قلته له».
قال «لم أق له شيئاً ولكني تذكرت أني رأيته في الفسطاط منذ بضعة عشر يوماً وهو ينكر ذلك كل الإنكار».
فلما سمع سعيد ذلك استغربه وقال «يحق له أن ينكر عليك ذلك لأنه لم يبرح الكوفة منذ شهر».
فأعاد بلال النظر إلى ريحان وتفرس في وجهه وقال «بل أنا على يقين مما أقول وقد لقيته هناك غير مرة ولكنه معذور في إنكاره لأن وجوده هناك عاد بأشر العواقب على سيدى ورفيقه».
فبغت سعيد وكانت اللقمة في فيه فلم يعد يستطيع ازدرادها وكان يغص بريقه ووقف للحال وقال «ما تقول يا بلال أظنك تخلط في القول أن ريحان عبد قطام بنت شحنة وقد تركته هنا يوم سفري وأنا واثق بأنه لم يبرح الكوفة ولعل الذي رأيته في الفسطاط عبد آخر يشبهه».