يحاول عبثاً
فلما سمع ريحان ما التمسه سعيد من العذر عنه اطمأن باله وقال بصوت هادئ «يظهر أنه غلطان كما قلت لأن البشر يتشابهون ولكنه سامحه الله جاءني مغضباً وأنا أفتش عن عصاي فأغاظني حتى سمع مني كلاماً مؤلماً فأنا أطلب إليه أن يعذرني على ما فرط مني» والتفت إلى بلال وهو يبتسم إيهاماً بسلامة نيته.
أما بلال فكان في أثناء ذلك ينظر إلى ريحان ولا يزداد إلا اعتقاداً بأنه هو الرجل الذي خاطبه في الفسطاط ونادته سيدته خولة في أثناء خطابه وقص عليها خبره كما مر. فلما آنس منه ذلك اللين ظل يتفرس فيه وهو صامت فلما أتم ريحان كلامه قال له بلال «ربما كنت مخطئاً في ظني ولكني أسألك سؤالاً أرجو أن تجيبني عليه».
قال «قل ما بدا لك».
قال «ألا تذكر أنك رأيت هذا الوجه» (وأشار إلى وجهه هو).
فتفرس فيه ريحان وهو يظنه يقول ذلك بسذاجة ثم قال «لا يا أخي لا أذكر أني رأيتك قبل الآن».
فقال «يا للعجب ولكنني واثق بأني لقيتك وخاطبتك فرأيت هذا الوجه وسمعت هذا الصوت. فالظاهر أنك سرت إلى الفسطاط قبل هذا العام».
قال «نعم إني سرت إليها منذ بضعة أعوام».
فضحك بلال وقال «ولكنك قلت الآن أنك لا تعرفها».
فارتبك ريحان في نفسه وعمد إلى المغالطة فقال «دعنا من هذه الأوهام ولا تشغل بالنا بما لا طائل تحته».
وكان سعيد في أثناء ذلك يسمع كلامهما والإخلاص لا يزال غالباً عليه.
أما بلال فخاف أن يترتب غلى سكوته ذهاب سعيد مع ريحان فقال لريحان «إذا كان الحال على ما تقول فعليك أن تساعدنا في إنفاذ المهمة التي نحن قادمون بها دعنا نذهب إلى منزل الإمام الآن».
قال «إننا أكثر رغبة منك في هذا السبيل ولكن الليل طويل فإذا ذهب معي مولاي إلى سيدتي قطام فتراه ثم يذهب إلى حيث شاء كان ذلك أوفق».
قال «فليذهب هو معك وأنا أمضي إلى منزل الإمام بالنيابة عنه».
فضاق ريحان ذرعاً وظهرت البغتة على وجهه ولم ير له مخرجاً من ذلك غير التظاهر بالغضب فقال «ولماذا هذه الظنون ألعلك تسيء الظن بنا ونحن أولى منك بهذا الأمر».
فتحقق بلال حينئذ أن ظنه في محله فقال «نعم إني أظن السوء بك وبسيدتك بعد هذا».
فخاف ريحان أن يفضي الأمر إلى انكشاف أمره فتظاهر بالغضب وقال «إني لأعجب من هذا الأحمق ونظهر أن مولاي صار على وقاحته فأنا ذاهب منذ الآن وافعلا ما تشاآن».
قال ذلك وتحول يعدو نحو الكوفة وظل سعيد وبلال صامتين كأن على رأسيهما الطير.