ضمير ابن ملجم
كان ذلك شأنه خصوصاً في أواسط رمضان وعلى الأخص في ليلة السابع عشر منه وهي الليلة التي بات فيها ابن ملجم يترقب انبلاج الصبح ليفتك بابن أبي طالب.
وفي تلك الليلة أسرع سعيد وعبده إلى منزل الإمام لينبئاه بعزم ذلك الرجل.
وما ظنك بابن ملجم تلك الليلة … هل تظنه بات ساكن الجأش مطمئن الخاطر …. هل عرف الكرى جفاه …. كلا. لا نخاله قضى ليلته إلا قلقاً مضطرباً لهول ما عول عليه من الأمر العظيم. وما أعظم من أن يسفك دماً بريئاً دم رجل جمع إلى كرامة الخلافة شرف النسب وأحرز من العلم ما لم يحرزه أحد من المسلمين في ذلك العهد؟ أليس هو ابن عم الرسول وخليفته وصهره. أليس هو ذلك العالم التقي العادل المخلص الغيور على الإسلام والمسلمين؟ لا نظن ابن ملجم والحالة هذه قضى ليلته إلا على شوك القتاد لم يغمض له جفن وقد طال ليله. وربما حدثته نفسه بالرجوع عن عزمه فغلب عليه عهده لرفقائه وتعهده لخطيبته قطام بنت شحنة وخصوصاً بعد أن أشركت معه في ذلك الفعل ابن عم لها يقال له وردان حرضته على الأخذ بناصره. ولقي هو رجلاً من أشجع يقال له شبيب استحثه على ركوب ذلك المركب الخشن معه. فتواعد الثلاثة على العمل معاً في فجر الغد. فهل تظنه بعد تلك العهود والمواثيق يصغى لنداء ضميره إذا كان له ضمير. ولو أصغى لما ارتكب ذلك المنكر.
على أنك لو سبرت غور قلبه في تلك الليلة وهو يتقلب في فراشه وسيفه المسموم على جنبه لرأيته يناجي نفسه ويدفع تبكيت ضميره بحجة أنه إنما عمد إلى ذلك دفعاً لفتنة كان سببها تنازع علي ومعاوية وعمرو على السلطة والفتنة شر من القتل.
وكان حاجبه قنبر رجلاً من أهل الحبشة كهلاً إذا نام علي بات عند بابه وكان في تلك الليلة أشد الجميع قلقاً لم يتناول الإفطار ولا هدأ له بال. أكل الناس وهو جالس القرفصاء عند الباب وعيناه شاخصتان إلى الفضاء كأنه يتوقع قدوم قادم وهو لا يكلم أحداً ولا انتبه أحد لحاله ولو سأله بعضهم عن سبب قلقه لباح له بما اطلع عليه من الأسرار التي ظن نفسه اكتشفها وهم يبحثون عنها عبثاً.