الفصل الثالث والستون
بلال
فلما خلا سعيد في تلك الحجرة ظن نفسه في منام وجعل يفكر في أمره وفي دهاء قطام وكيف
أوصلت
هذه الورقة إلى هذا الرجل لإتمام حيلتها ولكنه لم يكترث بما عامله به قنبر وعول على مقابلة
الإمام في الصباح باكراً وإطلاعه على سر الأمر.
وأما إيصال ذلك الصك إلى قنبر فإنما سعت فيه لبابة المحتالة بإشارة قطام بعد أن تداولتا
في إتمام الحيلة مخافة أن يطلع سعيد على مكيدتها قبل وصوله إليها أو أن يذهب إلى منزل
الإمام قبل المرور بها. فاستخرجت ذلك الصك وغيرت فيه ألفاظاً رفعت بها الشبهة عنها وكلفت
لبابة فأتت منزل قنبر في صباح ذلك اليوم بدعوى أنها دلالة تبيع الأقمشة وألقت إلى قنبر
حديثاً لفقته بحيث تثبت الشبهة على سعيد فلا يصغي أحد إلى كلامه. وكان أنصار علي قد سمعوا
طنيناً عن عزم بعض الناس قتل الإمام. فلما رأى قنبر الصك وعلم أن صاحبه أموي ربيّ في
بيت
عثمان وقام بنصرته لم يبق عنده شك بتهمته وخصوصاً بعد أن رآه قادماً قدوم اللص بعد منتصف
الليل. فلما قبض عليه حبسه في تلك الحجرة إلى صباح الغد ليرى رأي الإمام به بعد أن يعود
من
صلاة السحر. وما علم ما خبأته الأقدار للإمام قبل إتمام تلك الصلاة.
أما بلال فإنه مكث بالجملين في ساحة الكوفة ينتظر قدوم سعيد. فلما أبطأ عليه انشغل
باله
ولكنه لم يظن سوءاً لما يعلمه من سلامة نية سعيد. وفيما هو جالس يفكر في ذلك سمع آذان
السحر
فعلم أن علياً يخرج في تلك الساعة للصلاة فهرول نحو المسجد وهو على مقربة منه فدخله فرأى
فيه قبة مضروبة علم أنها قبة بعض النساء ممن يجلسن لسماع الصلاة. فوقف وعيناه شائعتان
لعله
يرى سعيداً. فإذا برجال دخلوا وفيهم رجل ملثم وقد التف بعباءة يخفي تحتها سيفاً فتفرس
فيه
عن بعد فرأى على وجهه أثر السجود فعلم أنه ابن ملجم
١ فارتعدت فرائصه وحدثته نفسه أن يصيح به ولكنه خاف على نفسه وهو لا يشك مع ذلك
أن علياً اطلع على مكيدته ولا يلبث أن يدخل المسجد حتى يأمر بالقبض عليه ثم رأى ابن ملجم
مشى ومعه رجل آخر هو شبيب نحو تلك القبة فكلما من فيها وكان فيها قطام بنت شحنة.
٢ ثم مشى ابن ملجم حتى اقترب من السدة وبلال يراقبه بنظره ويتوقع سماع الأمر
بالقبض عليه حالما يدخل علي.
وبعد هنيهة فتح باب السدة ودخل منها علي يمشي الهويناء وعمامته على رأسه تغطي صلعته
وكان
ذا بطن ولحية كثيرة الشعر ضخم العضل
٣ وفي يده درة (سوط) كان يوقظ الناس بها للصلاة كل صباح. فمشى الإمام وابن النباح
المؤذن بين يديه والحسن بن علي من خلفه. فلما دخل أنصت الناس وبلال ينظر إليه ولا يشك
في
أنه سينادي من يقبض على ابن ملجم. فإذا به قد وقف ونادي «أيها الناس الصلاة الصلاة».