لات ساعة مندم
ولما علم الناس أن سيف ابن ملجم مسموم تحققوا من دنو الأجل وخافوا الفتنة في من يخلف الإمام. فسأله جندب بن عبد الله ما سأله عمن يخلفه فأجابه علي بأنه لا يأمرهم ولا ينهاهم كما تقدم.
ثم نقلوه إلى داره ماشياً وهو يتوكأ على ولديه الحسن والحسين والدم يغشى جبينه وكان السم لم يفعل فعله بعد.
أما بلال فإنه سار في إثر الجمع إلى منزل الإمام علي وقد تولته الدهشة لهول ما رآه في تلك الساعة ومما زاد أسفه وضاعف حزنه ما أصابه من الفشل بحبوط مسعاه ومسعى سيدته لأنه إنما كان يود نجاة الإمام من تلك المؤامرة إكراماً لمولاته خولة وخصوصاً بعد أن صحب عبد الله وسمع منه في أثناء الطريق ما حدثه به جده أبو رحاب من فضائل الإمام علي يتندر اجتماعها في رجل. وقد وردت في كلام أبي رحاب.
على أنه كان مع ذلك في شاغل عما كان فيه الناس بالغوغاء والانهماك بأمر الإمام وجرحه والتفكر بسعيد وحاله وقد عجب لفشل مهمته مع علمه أنه إنما أسرع بعد طول شقة السفر والسعي في منتصف الليل لينبئ القوم بذلك الخطر. فمشى بلال وهو يتفرس في الناس واحداً واحداً لعله يرى سعيد بينهم فلم يقف له على أثر. على أنه ما لبث أن رأى الجمع دخلوا المنزل وأدخلوا الإمام محمولاً إلى غرفته وتفرق الباقون في صحن الدار جماعات تتحدث كل جماعة منهم بحديث ذلك الصباح ومدار أبحاثهم ما أصاب الإسلام في تلك الساعة مما لم يكن في الحسبان وما فيهم إلا من يقول «ليتني أشفي غليلي بضربة في عنق ذلك الباغي».
وفيما هو ينظر في وجوه الناس لعله يرى سعيداً إذا بقنبر حاجب الإمام علي قد خرج من الغرفة والدمع ملء عينيه وهو يقول «اقتلوني أيها المسلمون اقتلوني إني جنيت على أمير المؤمنين».
فنهض الناس والتفتوا إليه وهم لا يفهمون مراده فإذا به قد اخترق الجمع ومشى إلى الحجرة التي كان سعيد مسجوناً فيها وفتحها وأخرج سعيداً منها وهو لا يزال مغلولاً.