سر جديد
ولما اشتم سعيد رائحة القثر المتصاعد عن بقايا ابن ملجم اشتفى غليله ولكنه مازال قوله «إن قطاماً خطيبتي وإن قتل علي مهر لها» يرن في أذنه وازداد تعجباً من دهاء تلك المرأة واستغرب أن يكون في النساء واحدة في مثل ذلك الدهاء وتذكر ما مر له معها من الوعود وما ارتكبته في سبيل الانتقام لوالدها وأخيها من الجرائم وكم قتل بسببها من الرجال وعبد الله ابن عمه في جملتهم. فلما تصور ذلك كاد يتقد غيظاً وظل برهة وهو غارق في مثل هذه الهواجس لا ينتبه لما دار حوله من الأحاديث ولا فقه لاشتغال الناس في مبايعة الحسن ولم ينتبه حتى ناداه بلال فقال «ألا تخرج بنا يا مولاي من هذا المكان إن لي كلاماً أقوله لك».
قال «هيا بنا» وتحولا ولم ينتبه لهما أحد لاشتغال الناس بالمبايعة.
وعاد تواً إلى ساحة الكوفة حيث تركا الجملين وسارا من هناك إلى منزل سعيد وكانا في أثناء الطريق يلتقيان بأهل الكوفة مسرعين زرافات ووحداناً إلى منزل الإمام علي على أثر ما سمعوه من مقتله وهما لا يكلمان أحداً.
وكان سعيد لم يدخل منزله منذ ذهب إلى الفسطاط فلم يجد فيه أحداً لأن الخدم ساروا في جملة من سار إلى منزل الإمام. وكان التعب قد أخذ منه مأخذاً عظيماً لطول ما قاساه من السهر والقلق بعد سفره الطويل. فدخل الدار من باب خصوصي كان مفتاحه معه وترك بلالاً يهتم بالجملين. وبدل ثيابه وهو غارق في بحار الهواجس يفكر في ما رآه من الأهوال وما يتوقعه بعد موت الإمام علي من اختلاف الأحوال.
فلما فرغ من تبديل ثيابه توسد وسادة يلتمس الاستراحة وهو يفكر في ما يتوقع سماعه من بلال ولكن التعب تغلب عليه وغلب عليه النعاس فنام. ودخل بلال عليه فرآه نائماً فتوسد مقعداً في غرفة أخرى وجعل يستعد لمكاشفة سعيد بما يجول في خاطره من الشؤون حتى نام.