خولة وابن ملجم
وظلا نائمين إلى الغروب فأفاق سعيد من صوت الخدم وهو يفتحون الباب بعد عودتهم إلى البيت وقد بغتوا لما رأو سيدهم هناك على غير انتظار.
أما هو فعذرهم لغيابهم ودعا بلالاً فوقف بين يديه فدعاه للجلوس فاستأذن في إغلاق الباب والاختلاء فأمر بعض الخدم فأضاء له مصباحاً وضعه على مسرجة وخرج فأغلق بلال باب الغرفة وجلس إلى سعيد والاهتمام باد على وجهه.
فقال سعيد «تكلم يا بلال ما بدا لك».
قال «أيأذن لي سيدي أن أساله أولاً ما الذي دعا إلى فشل مهمته».
فتنهد سعيد وقال «إن السبب قديم يا بلال لم أكن لأقصه عليك لو لم أؤانس منك ما آنسته من الغيرة والشهامة».
قال بلال «ولم يكن من شأني أن أسألك عنه لو لم ألحظ من خلال الوقائع ما يشف عن حقيقة السر ولعلي إذا اطلعت على حقيقة الحال أن آتيك بخبر جديد».
قال «لا أخفي عنك بعد ذلك أن السبب في فشلي امرأة أظنك سمعت اسمها في هذا الصباح من فم ابن ملجم».
قال «أظنها قطام بنت شحنة».
قال «نعم هي قبحها الله من داهية محتالة. إنها كانت سبباً في قتل ابن عمي وقتل الإمام وابن ملجم. ولا يخفى عليك أن قتل الإمام لا يقتصر شره على مجرد قتل النفس ولكننا نخاف منه الفتنة. ولا ريب أنها أرادت أيضاً أن تقتلني بوسيلة دبرتها» وقص عليه حديثه مع قطام مختصراً من أول معرفته بها إلى تلك الساعة.
فلما فرغ من كلامه غض بلال على أنامله وتحرق ثم تنهد وسكت.
فقال سعيد «ما يخطر لك يا بلال وما الذي يدعوك إلى التنهد».
قال «يدعوني إليه ندمي على ما فاتني من القبض على هذه المرأة في صباح هذا اليوم لأني رأيتها في قبتها بالمسجد وقد مر بها ابن ملجم ورفيقه فكلماها قبل إقدامهما على تلك الفعلة الشنعاء ولكنني كنت أظن علياً وا لهفي عليه قد علم منك بما ينويه ابن ملجم فلا يترك له فرصة لارتكاب ذلك المنكر … وقد رأيت بنت شحنة خارجة من المسجد بعد أن تحققت نيل بغيتها بقتل الإمام فيا ليتني قبضت عليها … ولكن ما قدر فقد كان. وقد قتل الإمام وقتل قاتله والأمر في ذلك لله. على أنني إذا عشت فإني منتقم لك وللإسلام من هذه الفاجرة. ومن غريب الاتفاق أن ابن ملجم هذا كان قد خطب سيدتي خولة من والدها ولكنها لم تكن تحبه ولا ترضى به».
ولم يكن بلال عارفاً باطلاع سعيد على ذلك الخبر من خولة فلم يشأ سعيد أن يعترف له به فتجاهل وظل صامتاً ليسمع بقية الحديث.
فقال بلال «ولا شك أن سيدتي خولة إذا سمعت بمقتل هذا الغادر فرحت لتخلصها من شراكه».
فقال سعيد «وما الذي كان يحملها على القبول به ألم يكن لها أن ترفضه».
قال «كلا يا مولاي لأن سيدي والدها هو الذي أطمعه بها ووعده بزفافها إليه أما هي فقد تحققت من قرائن مختلفة أنها كانت مصممة على رفضه ولو مهما كلفها ذلك من العناء».