حب جديد
فأحس سعيد بتجدد عواطفه نحو خولة وتاقت نفسه إلى الحصول عليها ولكنه استثقل الذهاب إلى الفسطاط مخافة الوقوع في قبضة عمرو بن العاص. ثم تذكر بغتة أن المؤامرين كانوا قد أقروا على قتله وقتل معاوية في مثل ذلك اليوم فقال «ألم أخبرك أن اثنين آخرين تآمرا على قتل ابن العاص ومعاوية أيضاً».
قال «بلى أخبرتني ولكنني لا أخاف على ابن العاص الوقوع في تلك الشراك».
قال «وما الذي ينجيه منها وهو لا يدري بما نووه له … فإذا كان المؤامر على قتله قد قتله هان عليّ الدخول إلى الفسطاط ويكون ذلك أهون إذا قتل أيضاً معاوية في الشام».
فقال بلال «إن البحث عن ذلك يحتاج إلى وقت ولابد لنا من التربص ريثما نسمع الأخبار وأن نسير للبحث عنه بأنفسنا».
قال سعيد «لا صبر لي على التربص ولا أظنك تصبر عليه. فأرى أن تسير أنت على عجل إلى الفسطاط تستطلع جلية الواقع وتعود بالخبر اليقين. وإذا جعلت طريقك بالشام جئت بالخبرين معاً».
قال «ذلك إليك يا سيدي. وأنت ماذا تعمل؟»
قال «إني أود البقاء هنا للبحث عن تلك الخائنة قطام لعلي أتوفق للانتقام منها وإذا لم أتوفق إلى ذلك عشت منغص العيش طول عمري. آه كيف يهنأ لي عيش وهذه المرأة حية وقد فعلت ما فعلته معي … قتلت ابن عمي وأمير المؤمنين وكادت تقتلني!»
قال «بالله دع أمر الانتقام إليّ فإني أريد أن أشفي غليلي منها ومن عبدها الذميم ريحان لا أراحه الله … ولكني أرى سفري إلى الفسطاط أدعى إلى العجلة … فما العمل».
فأعجب سعيد بحماسة بلال وزاد ميلاً إليه وإلى سيدته ولبث برهة يفكر في حاله وهو يزداد شعوراً بالانعطاف إلى خولة ويردد في ذاكرته ما آنسه فيها من الخلال الحميدة والغيرة نحوه وكيف كان التقاؤه بها سبباً في نجاته من القتل ليلة ذلك الاجتماع. فضلاً عما رآه فيها من الغيرة على أمير المؤمنين. ولكنه لم يكد ينتقل بفكره إلى عاقبة ذلك السعي وحبوط تدابيره في إنقاذه حتى هب حسمه وتمرمر في داخله على أنه لم ير حيلة في ما مضى فقال «لقد قضي الأمر يا بلال ولم تبق لنا حيلة في ملاقاة ما مضى فاذهب أنت إلى الفسطاط وعرج في طريقك إلى الشام ثم عد إليّ بالخبر اليقين عن عمرو ومعاوية. وأما أنا فإني باق هنا أبحث عن قطام وعجوزها وعبدها وإذا أنت عدت من سفرك افتقدني في هذا المنزل وسنرى ما يكون».
قال «وخولة؟ ماذا أقول لها».
قال «قل لها إني لا أقدر أصف شوقي إليها وإن ما عندي أضعاف ما عندها ولها مني عهد الله إن هي رضيت بي أن لا ألتفت إلى سواها والأيام بيننا».
قال «أما رضاها فأنا الضمين لك به …» وسكت بلال وقد أبرقت أسرته سروراً بما سمعه. ثم أقطب وجهه بغتة وقال «ولكن هب أن ابن العاص مازال حياً ووالدها كما تعلم شديد التشيع له فلا أظنه يأذن بزفافها إليك اختياراً فما الحيلة؟»
قال «ذلك راجع إلى اختيارها ومتى عدت إليّ بالخبر نتدبر الأمر في حينه أما الآن فينبغي أنلا نضيع الوقت. امض إلى الفسطاط على عجل وعد إليّ بالخبر اليقين وعلى الله الاتكال».
فأخذ بلال يهتم بالرحيل وسعيد صامت يفكر في ما حدث له من الهواجس الجديدة. وأصبح الحصول على خولة شغله الشاغل ولكن فشله في إنقاذ الإمام ثار في خاطره حب الانتقام من قطام. فصمم على الفتك بها إما بيده وإما بمساعدة الحسن بعد تبوءه عرش الخلافة.