نفوذ الحيلة
أما هي فلما خرج بلال عادت إلى غرفتها وأوصدت الباب وراءها واستلقت في فراشها وقد تعبت مما قاسته في ذلك اليوم من المشاق وكان يجب أن تنام لو لم يشغل خاطرها ما شغله من الأمور الهامة. ويتخلل ذلك شعور داخلي جديد لولا الحشمة واهتمامها بإنقاذ الإمام لصرحت به. ألا وهو انعطافها إلى سعيد لما آنست فيه من الرغبة في إنقاذ الإمام علي واستهلاكه في سبيل ذلك مع ما في قلبها من النفور الشديد من ابن ملجم حتى كرهت والدها من أجله وأجل تشيعه للأمويين.
وقضت بقية تلك الليلة لم يغمض لها جفن وهي تارة تفكر في سعيد وقلبها يخفق انعطافاً له وخوفاً من فشل مهمته. فجعلت تقدر الوقت اللازم لسفره إلى الكوفة فرأت أنه إذا أسرع لا يفوته الوصول إليها قبل الأجل المسمى للقتل. وكان يعترض تسلسل أفكارها خوف مما ربما يطرأ عليه في الطريق فيعيق وصوله فترتعد فرائصها فرقاً من قتل الإمام. وفي قتله ضربتان كبيرتان الأولى موته والثانية عود ابن ملجم إليها. ولكنها كانت تتعزى بأن ابن ملجم إذا ظفر بقتل الإمام لا ينجو هو من القتل. ثم تحول ذهنها إلى والدها وخروج عبدها بالجملين وأعدت أعذاراً تنتحلها في سبب خروجه فلم تجد خيراً من أن تدعي فراره إلى حيث لا تعلم.
وكان والدها قد أفاق في أثناء الليل وهي غائبة فجاء غرفة ابنته ليرى حالها فرأى الباب موصداً فسأل العبد عن ذلك «فقال أن سيدتي باتت مبغوتة وقد تولاها الخوف على غير المعتاد في تلك الليلة فأوصدت الباب وأوصتني أن أنام خارجاً».
فقال والدها في نفسه «مسكينة خولة يظهر أن رعبها من ذلك الحبس لا يزال مؤثراً عليها» وعاد إلى فراشه وهو مقتنع بصدق ما قاله العبد.
وفي الصباح جاء الغرفة فرأى الباب لا يزال موصداً ولكن بلالاً ليس أمامه فقرعه فنهضت خولة وفتحته وهي تتظاهر بالذهول لملول استغراقها في النوم. فأمسكها والدها بيدها ووضع يده على كتفها وهو يقول «ألعلك لا تزالين خائفة يا بنية».
قالت «كلا يا سيدي إني تحت جناحك في أمن وطمأنينة».
فقال «بورك فيك تعالي نتناول الطعام» ثم نادى بلالاً فلم يجبه أحد فقال «أين بلال».
قالت «لا أدري لعله خرج إلى السوق في غرض».
فصبر هنيهة فلم يحضر فأرسل بعض الخدم في أثره فلم يقف له على خبر. ثم علم بضياع الجملين ولما انقضى معظم النهار ولم يعد بلال ولا الجملين أشكل عليه أمره فقالت خولة «يظهر أنه أخذ الجملين وفر» فبعث الناس في أثره إلى ضواحي المدينة فلم ينبئه أحد بخبره فصدق فراره.