عبد الله حي
قال «فاعلمي أنا وجدنا في جملة المقبوض عليهم في تلك الليلة واحداً من ذلك الاثنين اسمه عبد الله. وأما الثاني فإنه نجا ولا ندري من هو والظاهر أنه لم يكن في ذلك الاجتماع لأنه عمره كان طويلاً. أما الأول فإنه سيق في جملة من سيق تلك الليلة إلى دار الإمارة. وربما بلغك أن الأمير عمراً رأى أن يقتل أولئك المقبوض عليهم وقد كنت أنا في جملة من أشار عليه بذلك مخافة الفتنة إذا ظلوا أحياء. فأمر عمرو بإغراقهم في الليل وعبد الله معهم وقد عدت أنا من حضرة الأمير وهم يتهيأون لإرسالهم إلى النيل وعلمت في الغد أنهم أغرقوهم».
فلم تر خولة بحديثه شيئاً لم تكن تعرفه ولكنها علمت أن الحديث لم يتم فصبرت نفسها وتظاهرت بخلو الذهن من هذا الموضوع وهي تبدي الاستغراب.
أما هو فقال «وما زلت أعتقد أنه أغرقهم جميعاً إلى اليوم وأنا في منزل الأمير فرأيت في بعض جوانبه غرفة مقفلة كنت كلما جئته في هذه الأثناء أراها مغلقة فلم أهتم بشأنها فلما كان عصر هذا اليوم دخلت على الأمير وأنا عائد من عملي فذكرت له أمر ابن ملجم ومهمته وطفقنا نتحدث في ما عسى أن يكون من أمره في الكوفة. فلما وصلنا إلى ذلك رأيته يبتسم وتوسمت في وجهه خبراً فرغبت إليه أن يطلعني على ما حدث وأنت تعلمين ما لي من الدالة عليه. ولكنني رأيته يتردد في الأمر فألححت عليه فقال لي «أتعلم من هو المقيم في هذه الغرفة».
قلت «لا يا مولاي لا أعلم وليس من شأني السؤال عما في منزل الأمير».
فضحك عمرو حتى رقصت لحيته وقال «إني حبست فيها رجلاً سينقذ حياتي من القتل».
فعجبت لقوله واستغربت ما يشير إليه ولبثت انتظر الإفصاح فقال لي «اعلم يا صاحبي أني حبست في هذه الغرفة عبد الله الأموي الذي كان قدومه سبباً بمقتل العلويين منذ أيام».
فلما سمعت خولة ذكر عبد الله علمت أنه رفيق سعيد وخفق قلبها فرحاً بنجاته من القتل ولكنها استغربت سبب تلك النجاة على أنها ظلت متجاهلة وهي تتوقع سماع تتمة الحديث ووالدها يتشاغل عن إتمامه بالمضغ والابتلاع وكان أكولاً.
فلما خلا فمه من الطعام عاد إلى الحديث فقال «فاستغربت ما يقوله وقلت ما الذي عساه أن ينجيك به من الموت» فأخبرني قائلاً «إن ابن ملجم خطيب خولة الذي قلت لي أنه عازم على قتل علي إنما هو مؤامر رجلاً آخر على قتلي وإنهما تواعدا على قتل علي وعمرو في يوم واحد» قال عمرو — «فلما قال لي عبد الله ذلك استغشيته ولم أصدق قوله لغرابته ولعلمي أن ابن ملجم من رجال دعوتنا وخصوصاً بعد أن خطب ابنتك فقلت في نفسي لو صح حديث هذا الأموي لما خفي ذلك الحديث عنك وأنت لو علمته ما كتمته عني فلم أر خيراً من أن استبقيه وأحبسه في منزلي ريثما يأتي الأجل المضروب لقتل هذه الاثنين وهو يوم ١٧ رمضان فإذا تحققنا قوله أفرجنا عنه وإلا ضربنا عنقه».
قال والد خولة «فلما سمعت قول عمرو استغربته كل الاستغراب وخفت أن يكون عمرو قد ساء الظن بي فأقسمت له الأيمان المغلظة إني لم أكن عالماً بغير عزم ابن ملجم وسألت عمراً هل عرف اسم المؤامر على قتله. فقال أن ذلك الأموي لم يكن يعرف الاسم. ولم أعد أعرف يا خولة كيف أؤكد له صدق إخلاصي له مخافة أن يبقي على سوء ظنه بي فبالغت في إظهار الغضب من ابن ملجم وقلت له إني لو عرفت خداع هذا الرجل ما رضيت به صهراً وأنا منذ الآن محرمه من خولة فلما قلت له ذلك التفت إليّ وقال «لا يكفيني هذا الوعد وأنا أعرف خولة وأعرف مقامها وطالما كنت أريدها لإحد أولادي وأما الآن فإني أطلب إليك إذا صدق هذا الأموي بقوله أن تكون ابنتك خولة عروساً له لأن الرجل أموي وكان على دعوتنا ولكن بعض الناس أغروه على التشيع لعليّ».