عريس جديد
فلما وصل إلى ذلك الحد علمت خولة أن عبد الله لا يزال حياً واطمأن بالها عليه وعلمت أنه لم يذكر خبر المؤامر الثالث على قتل معاوية مخافة أن يرسل عمرو بخبره إلى الشام فينجو معاوية منه.
ولكنها لما سمعت ذكر خطبتها له أطرقت حياءً وتظاهرت بالسكوت وقلبها يختلج فرحاً بنجاتها من ابن ملجم. ولكنها تذكرت حبها سعيداً. وما بعثت إليه مع عبدها بلال فاحتارت في أمرها. على أنها لم يسعها إلا كتمان كل ذلك والتظاهر بالاستغراب فقالت وهي تهز رأسها استغراباً «أصحيح أنهم تآمروا على قتل عمرو وأيضاً إنها لصدفة غريبة».
قال «بالحقيقة إنها صدفة يندر مثالها ولكن ما قولك باقتراح عمرو عنك».
فسكتت ولم تجب.
فقال «ما معنى سكوتك وأنت تعلمين أننا لا نستطيع رد ذلك الاقتراح».
قالت «دع ذلك الآن فإنه ليس بالأمر المهم وما خولة إلا جارية حقيرة لا تستحق هذا الاهتمام ولنصبر إلى الأجل المسمى لنرى ما يكون».
فقال «إننا صابرون ولكنني أرجو أن يكون خطيبك الجديد أهلاً لك وليس مثل ابن ملجم الخائن على أني أدركت من خلال حديث عمرو أن عبد الله رجل صادق وهو مع ذلك أموي ربي في منزل الخليفة عثمان ولكنهم أغروه على التشيع لعلي ثم عاد إلى ما كان عليه. واذكر أني رأيته ليلة قبضوا عليه فإذا هو شاب في مقتبل العمل وأظنك سترتاحين إليه».
فظلت خولة ساكتة فحسب والدها سكوتها قبولاً فسكت وكانوا قد فرغوا من الطعام فنهض ونهضت خولة فغسلت يديها والتمست غرفتها وهي تفكر في ما سمعته من والدها وتحسب نفسها في حلم.
فلما خلت بنفسها تذكرت سعيداً وحبها له وجعلت تتقاذفها الهواجس وهي تخاف أن يحملها عمرو على الاقتران بعيد الله قبل أن تعلم مصير سعيد في مهمته إلى الكوفة وقد أعجبت بدهاء عبد الله لأنه باح بخبر المؤامر على قتل عمرو وكتم أمر المؤامر الثالث. وهو معذور في ما أباح به إنقاذاً لحياته. ولكنها خافت أن لا تتم نبوءته فلا يأتي المؤامر في الأجل المعين فيقتل عبد الله. على أنها كانت إذا تصورت صدق نبوءته ونجاته من القتل يخفق قلبها لاضطرارها عن ذلك إلى القبول بعبد الله زوجاً وهي تحب سعيداً. فهاجت أشجانها وارتبكت في أمرها وجعلت تبحث عن طريقة تنجو بها من هذا التردد فلم تر خيراً من الصبر لما يأتي به القدر.