ضياع قطام
فلنعد إلى سعيد وبلال في الكوفة فقد تركا بلالاً يتأهب للقدوم على الفسطاط وسعيد يفكر في ماذا يفعل بعده وكان قد أمره بالذهاب إلى الفسطاط على أن يبقى هو هناك حتى يعود إليه بالخبر عن عمرو. ثم رأى أن المسافة بعيدة ربما لا يصبر عليها فقال له «لقد أمرتك بالرجوع إلى الكوفة ولكنني أرى الأجل بعيداً فإني شاخص إلى دمشق فإذا سرت إلى الفسطاط واطلعت على ما جريات الأحوال وافني إلى دمشق فإني أكون هناك في انتظارك في المسجد بعد عشرين يوماً سواء تمكنت من الفتك بقطام الخائنة أم لا ولكنني أكون قد اطلعت على مصير معاوية».
فودعه بلال ومضى وصبر هو إلى الغد فخرج إلى الكوفة يلتمس بيت قطام فرآه مقفراً ليس فيه أحد فوقف عند باب الحديقة وجعل يتأمل بنخلاتها وطرقاتها ويفكر في ما مر له هناك من الأهوال وما طلى عليه من خيانة قطام غير مرة فشعر بضعفه وتذكر آخر مرة زار بها في ذلك المنزل ومعه ابن عمه عبد الله فأسف لفقده وازداد به الميل للانتقام من قطام ففكر في أمرها وفي المكان الذي عساها أن تكون قد انصرفت إليه فخطر له أن تكون قد سارت إلى أهلها في جوار الكوفة فخرج للبحث عنها فلم يقف لها على خبر فمل البحث وخاف أن يقضي الأجل الذي ضربه لبلال فيعود إليه في دمشق ولا يجده فخطر له أن قطاماً ربما سارت إلى دمشق تلتجئ إلى معاوية بعد أن نجحت في قتل مناظره عليّ فسار يلتمس دمشق على ناقة تسابق الرياح.
أما قطام فكانت في الليلة التي وصل بها سعيد إلى الكوفة قد علمت بقدومه من ريحان إذ عاد إليها بما دار بينه وبين بلال عند خولة وحكى لها ما فضحه بلال من سره وكيف كان ذلك سبباً في انكشاف أمره لدى سعيد فلم يعد يصدقه ويذهب معه إلى منزلها فحنقت على بلال وعلى سيدته ومازج ذلك الحنق غيرة من خولة. لأن قطاماً اللعينة مع كرهها لسعيد لم تكن تصبر على من يحبه وخصوصاً لما علمت أن خولة كانت عوناً على عرقلة مساعيها في قتل الإمام علي فأضمرت لها السوء ولكنها شغلت عنها تلك الليلة بما كانت فيه من انتظار الفتك بعلي وكن ابن ملجم بائتاً عندها. فلما كان الفجر خرجت هي وعجوزها وعندها ضربت قبتها في المسجد كما تقدم وفي ذلك من الجرأة والوقاحة ما فيه ولم تكن تخاف انكشاف حيلتها ولو تعمد سعيد أن يكشفها لما دبرته من الحيلة في إيصال الصك بعد تحويره إلى قنبر حاجب الإمام عليّ مع لبابة المحتالة كما علمت.