عبد الله وخولة
فأعجب عمرو بحرية ضمير عبد الله وقال له «لم تزدني بهذا التبرق إلا رغبة في مكافأتك إن ابن العاص لا يجهل قدر الرجال ولا هو ساذج لا يفهم أنك لو لم تقع بين يديه وتشعر بقرب الأجل ولا ترى لك مخرجاً بغير هذا الإفشاء لما فعلته. ولكنني مع ذلك أشعر بجميل لك عليّ فأريد مكافأتك عليه وخصوصاً بعد أن رأيت من صدق لهجتك ما أكد لي أنك لو كنت من أنصارنا لكان لنا بك نعم النصير وأنت على ما بلغني أموي فليس تشيعك للعلويين معقولاً..» قال ذلك وفي صوته غنة استفهام كأنه يستفهم عن سبب تشيعه فسكت عبد الله. ففهم عمرو أنه يريد الكتمان فغير الحديث وقال له «ولكنك لم تسألني عن المكافأة التي أعددتها لك».
قال «قلت لك أني لا أستحق مكافأة فمهما أكرمتني به كان فوق ما استحق».
قال عمرو «هل أنت متزوج».
قال «كلا يا مولاي».
قال «أعلم يا عبد الله أن في الفسطاط فتاة يتحدث بجمالها وتعقلها أهل هذه المدينة هي ابنة صاحبي هذا (وأشار إلى والد خولة) ولا أخفي عنك أنها كانت مخطوبة لعبد الرحمن بن ملجم وهو أحد المؤامرين على قتل عمرو ولعي ولا ندري ما كان من أمره اليوم فإنه موعد القتل …».
ولما قال عمرو ذلك تذكر عبد الله ما كان قادماً من أجله مع سعيد وكيف فشلت مهمتهما فأحس كأنك تصب ماءً غالياً على ظهره ولكنه تجلد وصبر نفسه إلى آخر الحديث فأتم عمرو كلامه قائلاً أن خولة هذه كانت مخطوبة لابن ملجم على أن يقترن بها بعد عودته من الكوفة ولا ريب أن ذلك الخائن كان عالماً بتواطئ عمرو بن بكرة على قتلي فكتم ذلك في قلبه وسار ولم يطلعني على شيء منه فاعتبرته شريكاً في قتلي فأحرمته من خولة ولي دالة على والدها لأنها بمنزلة ابنتي وقد طلبت منه أن تكون لك عروساً ومتى رأيتها تتحقق أننا قد زوجناك زهرة الفسطاط وخيرة بناتها. ثم التفت عمرو إلى أبي خولة وقال «ولا تظننا فرطنا بخولة فإن هذا الشاب من سلالة الأمراء ويكفي أنه أموي وبينه وبين الخليفة معاوية نسب قريب. أما ابن ملجم الخائن إذا عاد إلينا فلا أبقاني الله إن أبقيته حياً. ولكنني لا أظنه إلا مقتولاً في دار ابن أبي طالب فاز في مهمته أو لم يفز» قال ذلك والغضب باد على وجهه.
ففرح عبد الله بما ناله من الحظوة في عيني عمرو وارتاح لما بلغه عن خولة ولكنه مازال منشغل الخاطر على ابن عمه سعيد وما كان من أمره بعد أن فارقه في مسجد الفسطاط يوم اجتماع عين شمس. حدثته نفسه أن يسأل عمراً عنه مخافة أن يكون قد وقع في أيدي رجاله ولكنه لبث ساكناً يتردد وقد نسي اقتراح عمرو. فظنه عمرو غير راض به فقال له «ما بالك لم تجب ألعلك لم ترض خولة والله إني أرضاها لأعز أبنائي».
فابتدره عبد الله قائلاً «عفوك يا مولاي كيف لا أرضى بما رضيته أنت لي وما سكوتي إلا لأني اعتبرت اقتراح الأمير أمراً نافذاً لا خيرة لي فيه فماذا أجيب. أما إذا تعطفت في سؤالي فإني راض ولكني أرجو أن تكون هي راضية بهذا الرجل الغريب».
فقال أبو خولة «إن خولة جارية بين يدي مولانا الأمير وما يرضاه لها لا مندوحة لها عنه وإنا وهي طوع إرادته».