الخطبة الجديدة
أما عبد الله فإنه خرج من محبسه يلتمس مكاناً يقيم فيه ولم يكد يخرج من دار الأمير حتى أدركه بعض رجال عمرو وناداه فعاد. فقال له «وإلى أين».
قال «إني ألتمس مكاناً أقيم فيه».
قال «لقد أوصانا الأمير أن نعد لك منزلاً في داره فإنك ضيف عليه».
فازداد عبد الله امتناناً من عمرو وفرح بتلك الدعوة لأنه غريب لا يدري كيف يذهب وتبع الرجل الذي كلمه إلى غرفة فيها فراش وغطاء وبعض الآنية وسأله هل يحتاج إلى طعام فاعتذر وسار تواً إلى فراشه.
ولما خلا بنفسه جعل يفكر بنجاته وصورة ابن عمه سعيد لم تبرح من مخيلته طول ذلك الليل. على أنه اطمأن على حياته ولكنه مال بكليته إلى استطلاع خبر مهمته ليدري ما تم للإمام علي.
وكانت ذكرى خولة تعترض هواجسه وود لو يراها ليستطلع ما يكون من حظه معها ولكنه لما تذكر إطناب عمرو بها تحقق لياقتها على أنه مازال مشتاقاً لرؤيتها ولما أصبح سار إلى المسجد صلى الصبح وهو يتوقع أن يرى والد خولة لعله يدعوه إلى منزله فيتخذ ذلك وسيلة لرؤية خولة ولو خلسة. وكان والد خولة قد مر بالجامع في ذلك الصباح عمداً لهذه الغاية فلقيه فسلم عليه ودعاه للعشاء فقال له «إني في ضيافة الأمير ولا يليق بي قبول الدعوة إلا بعد استئذانه».
فقال «أنا استأذنه عنك».
قال «حسناً» وافترقا. فمشي عبد الله في شوارع الفسطاط وأسواقها فمر ببيت خولة وهو لا يعرفه. وكانت خولة قد أصبحت في ذلك اليوم وهي لا تزال قلقة البال فخرجت تمشي في الدار فوقع نظرها على عبد الله وهو مار ولم تكن رأته قبل ذلك الحين ولكنها استنتجت من لباسه وقيافته مع مشابهته سعيداً أنه هو عبد الله خطيبها فاختلج قلبها في صدرها ونفرت لأول وهلة ولكنها أرادت أن تتبين حاله فتفرست فيه وهو ماش فرأته معتدل القوام رشيق الحركة فارتاحت لرؤيته وسرت به لمشابهته بسعيد ولكنها ما لبثت أن نفرت منه لما ذكرت أنه سيحرمها من حبيبها ومازالت تتبعه بنظرها حتى توارى وهو لم ينتبه.