الزيارة الأولى
عادت خولة إلى غرفتها وهي منقبضة النفس وقضت نهارها لم تذق طعاماً ولما كان الغروب آمن زمن رجوع والدها من شغله وكان الخدم قد أعدوا المائدة له ولضيفه وخولة لا تدري. وما عتم أن دخل الدار وتنحنح على جاري عادته كأنه ينبه أهل المنزل إلى مجيئه. فتظاهرت خولة بارتياحها لقدومه ولكنها عولت على التمارض على أنها ما لبثت أن رأت مع والدها شاباً عرفت أنه عبد الله فخفق قلبها وغلب عليها الاضطراب وتوارت في غرفتها وقد بردت أطرافها.
وأما والدها فإنه ذهب بضيفه إلى غرفة الضيوف فتركه هناك وجاء إلى خولة فرآها مستلقية في الفراش وقد امتقع لونها فتحفزت للنهوض وهي تتظاهر بالضعف. فقال «ما بالك يا خولة».
قالت «لا بأس عليّ غير أني أشعر بانحطاط وانحرف لا أدري سببه».
فدنا منها وهمس في أذنها قائلاً «ليس ثمت داع إلى الانحطاط وقد جاءنا ضيف عزيز».
قالت وهي تتجاهل «مالي وللضيوف إني لا أستطيع النهوض ولا يطلب مني ملاقاة الضيوف».
قال «إننا لا نكلفك ملاقاتهم ولكن هذا الضيف أصبح من أقربائنا ولا بأس من ملاقاته عملاً بأمر الأمير عمرو بن العاص».
فقالت «ولكنني منحطة القوى. دعني أنام الآن وسألاقيه في فرصة أخرى وأنا صحيحة إن شاء الله».
قال «ولكنني كنت أظنك أكثر رغبة مني في رؤيته بعد أن قصصت عليك أمر خطبته لك. أيليق بنا بعد هذه الخطبة أن نظهر له هذا الجفاء».
فتحيرت خولة ولم تدر بماذا تجيبه وهي تخاف غضبه لما تعلمه من سوء خلقه وسرعة حمقه فظلت صامتة.
فأمسكها بيدها وأنهضها فوقفت بالرغم عنها وسارت في أثره وهي مطرقة فلما وصلا باب الغرفة وقف بها وقال لها «ضعي خمارك على رأسك وانزعي هذا الذبول واستقبلي الرجل بما يليق بأمثالك لئلا يبلغ عمراً عنا ما يدل على مخالفة رأيه فنقع تحت طائلة غضبه».
فرأت خولة من الحكمة أن تتجلد وتصبر لئلا يحمق والدها فيسمعها ما يكدرها فخفت إلى خمارها فوضعته على رأسها وأصلحت ثيابها بما يليق أن تقابل به الضيوف وخرجت في إثر والدها حتى دخلا على عبد الله.