كشف النقاب
فلما خلا عبد الله بخولة تقدم لنزع الغطاء عن وجهها فأمسك النقاب ورفعه فإذا بها قد أعادته إلى ما كان عليه. فظنها تداعبه على سبيل المزاح فضحك وقال لها «يظهر أنك لا تحبين عبد الله».
قالت وهي مطرقة «يعلم الله أني لا أكرهه».
فمد يده إلى النقاب ثانية وحاول رفعه فمنعته. فاشتبه في أمرها فأمسك يدها وقال لها بلهجة الجد ونغمة المحب العاتب «ما بال خولة تمنعنا مما أحله لنا الشرع ودعانا إليه القلب».
وكانت خولة واقفة بجانب الفراش فابتعدت عنه وأسندت ظهرها إلى الحائط وهي تبالغ في إرسال النقاب وظلت مطرقة ولم تبد جواباً.
فاستغرب عبد الله سكوتها وتمنعها على هذه الصورة وظن في الأمر خديعة فأظهر الجد وتبعها وهو لا يزال قابضاً على يدها حتى وقف بجانبها وقال لها «ما الذي أراه يا خولة؟ ما الذي تحدثك به نفسك؟ إن كنت إنما تفعلين ذلك لمجرد الحياء فهو غلو لا محل له وقد عقد كتابنا بحضور أمير مصر ونخبة الأعيان والأمراء. وإن كنت رضيت بي مكرهة وأنت تحبين سواي قولي».
فلما قال ذلك رفعت رأسها إليه وجذبت يدها من يده بلطف وقالت «نعم إني أحب سواك ولكنني قلت لك إني لا أكرهك بل أحبك محبة الأخ لا محبة الزوج».
فبغت عبد الله وعلته الدهشة وكاد الغضب يغلب عليه لو لم يصبر نفسه ريثما ينكشف له سبب تمنعها. فنظر إليها نظر الغاضب وقال «لقد رأيت منك العجب وأعجب ما أراه احتقارك إياي بما لم أكن أتوقعه منك بعد أن كتب الكتاب. هلا كشفت لي عن سبب ذلك؟»
قالت وقد أمسكت النقاب وأزاحته عن وجهها «إني لا أعتبر هذا الحجاب واجباً بيني وبيك ولا أنا خائفة من اطلاعك على ما في ضميري ولكني أسألك سؤالاً إذا أجبتني عليه بحت لك بسر الأمر».
فمال بكليته إليها وقد أعجبته جسارتها وحريتها ولم يزده كشف النقاب إلا احتراماً لها فقال «اسألي فإني مجيبك».
قالت «كيف رضيت بعقد قرانك وابن عمك غائب».
فقال «وأي ابن عم تعنين».
قالت «أعني ابن عمك سعيداً الذي جئت معه إلى الفسطاط ألا يهمك أن تعرف ما آلت إليه حاله؟»