الوفاق التام
فابتدرته خولة قائلة «لا تعجل يا عبد الله إن ذهابك ذاهب عبثاً لأننا لا نلبث بعد قليل أن نسمع الخبر من عبدي بلال الذي رافق سعيد إلى الكوفة فقد أوصيته بالعودة حالاً وأظنه يصل إلينا بعد أيام ونرى ما يكون. وأما الآن فاكتم ما دار بيننا واجعل أنك زوجي ريثما ترى ما يكون.
فالتفت عبد الله إليها وقد ازداد إعجاباً بحميتها وثبات جأشها وقال «إني أهنئ أخي سعيداً بهذا النصيب وأرجو أن يكون قد نجا من مكائد أولاد الحرام» أراد بذلك قطاماً فإنه مازال يسيء الظن بها وقد أدرك أنها هي التي وشت بهما إلى عمرو بن العاص.
فقالت «إني أتوقع رجوع بلال لأسمع منه ما آلت إليه حال الإمام علي ومعاوية هل نجا أحد منهما. أما عمرو فقد نجا والفضل في ذلك راجع إليك».
فقال «ولكنك تعلمين أني إنما بحت بذلك لعمرو التماساً للبقاء ولم أذكر له المؤامرة على قتل معاوية لئلا يبعث إليه بمن يحذره فينجو».
قالت «إني لم ألمك قط ولكن هذه إرادة المولى فالآن لابد من التربص فامض إلى فراشك وإني متوسدة هذا البساط».
قال «لا والله إنك لا تبيتين إلا على الفراش وأنا أولى بهذا البساط».
وباتوا تلكا لليلة وقد سرت خولة بنجاتها مما كانت تخافه. وأما عبد الله فإنه بات معجباً بخولة كل الإعجاب وقد أسف لخروجها من قبضته بعد أن عرف فيها هذه الخصال. ولكنه لم يأسف لأنها ستكون نصيب أخيه. وقضيا تلك الليلة بأمثال هذه الهواجس ولم يناما إلا قليلاً.
وأصبحا في اليوم التالي والناس لا يعلمون إلا أنهما زوج وزوجة وظلا مقيمين في دار الأمير حتى قدرت خولة دنو الوقت الذي كانت تتوقع رجوع بلال فيه فالتمست المضي على بيت والدها مخافة أن يأتي بلال في أثناء غيابها فيطرده والدها أو يتهدده ولا يراها هناك فيعود من حيث أتى.
فوافقها عبد الله واستأذنا عمراً في الذهاب إلى هناك فأذن لهما فاستقبلهما والدها بالترحاب.