دعوة غريبة
أما عبد الله فلما رأى نفسه بباب المسجد والصلاة قائمة والناس يدخلون أفواجاً دخل في جملة الداخلين فرأى عمراً على المنبر يعظ الناس وهم صامتون فوقف حتى فرغ عمرو من خطابه وانقضت الصلاة فتحول للخروج. ولم يكد يتحول من صحن المسجد حتى اعترضه بعض الشرطة قائلاً «تمهل يا مولاي إن الأمير يستوقفك لأمر يريد أن يخاطبك بشأنه».
قال «وأين هو الأمير؟»
قال «كان في المسجد كما رأيته وقد تحول الآن إلى داره من باب في المحراب».
قال «وهل هو يريد مقابلتي الآن؟»
قال «نعم».
فانشغل بال عبد الله لذلك الطلب وخاف أن يكون مبنياً على مخاطبته بلالاً إذ ربما كان أحد عارفاً بمهمته أو غير ذلك. ولكنه مشى حتى أقبل على مجلس عمرو وكان إذا وصل المجلس دخل بلا استئذان. فلما هم بالدخول اعترضه الحاجب قائلاً «تمهل ريثما نستأذن لك» فوقف عبد الله ودخل الحاجب ثم عاد فاستفهم عن الجوانب فقال «أن الأمير يريد الخلوة بك على انفراد الليلة فإذا أتيت في العشاء تعال وحدك».
فاستغرب عبد الله ذلك الشرط وأشكل عليه المراد منه فاستزاد الحاجب إيضاحاً هل المراد أن يأتي وحده بمعنى أن لا تكون خولة معه.
قال «أظن هذا هو مراده فإنه قال ليأت وحده لكلام سألقيه إليه على انفراد».
فعظم الأمر على عبد الله وحسب لذلك ألف حساب. ولم تكن الشمس قد مالت إلى الغروب فعاد إلى البيت والهواجس تتقاذفه وظهرت عليه أمارات الانقباض فلما أقبل على خولة ورأت على وجهه آيات الاضطراب ابتدرته قائلة «ما بالك يا عبد الله ما الذي غير وجهك إني أراك متغيراً وأرى في وجهك انقباضاً قل رعاك الله ما أوجب ذلك».
قال وهو يحاول التجاهل «ليس في شيء مما تقولينه لكن يظهر أني تعبت من سماع العظة في المسجد ومللت مسافة الطريق وليس ذلك من الانقباض في شيء وكيف ينقبض عشيرتك وأنت مصدر السعادة وينبوع الهناء؟»
فلم تقتنع بقوله ولكنها سكتت على أن تستطلع السر بعد قليل بلباقة. وغيرت الموضوع فقالت «وهل رأيت بلالاً؟»
قال «نعم وقد أوصيته بما يقوله لسعيد».
قالت «وهل سافر؟»
قال «أظنه يستريح الليلة خارج الفسطاط ويقلع في الغد باكراً».
وفيما هما يتحادثان جاء والدها فدخلوا جميعاً وعلى وجه والدها ظواهر الغضب وكانت خولة تعرف غضبه بمجرد النظر إلى وجهه. فلما رأته كذلك زاد اضطرابها وجعلت تفكر في سبب غضب الاثنين. فخطر لها أنهما تخاصما ولكنها لم تكن تجد سبباً لذلك. ولم تجسر على سؤال والدها ولا أرادت الإلحاح على عبد الله في الاستفهام فتركت ذلك إلى ساعة الاختلاء به.
وبعد قليل مدت المائدة فجلسوا إليها وليس فيهم من يتكلم كلمة إلا ما تدعوا إليه الحال من طلب شيء أو الاستفهام عن شيء يتعلق بالطعام ونحوه.