غرفة عمرو
وكان عبد الله لما جلس إلى المائدة لم يغير ثيابه كالعادة فلما نهضوا عن العشاء أخبر خولة ووالدها إنه منصرف في حاجة تقتضي غيابه ساعة. وكأن طلبه هذا جاء طبق ما يرجوه أبو خولة فلم يسأله عن سبب ذهابه ولا استدعى سرعة رجوعه.
فازدادت خولة حيرة وظلت ساكنة ولم يخطر لها أن لذهاب عبد الله علاقة بما بدا لها في وجهه من الانقباض. ولكنها رافقته إلى باب الدار وتوسلت إليه أن لا يطيل الغياب. فأجابها أنه لا يدري ساعة رجوعه لأنه لا يعلم ما يكون من دواعي تأخره ولم يشأ أن يبوح لها بسبب ذهابه ولا ترك لها فرصة للاستفهام فودعها وخرج وهو يسرع في مشيته وأفكاره تائهة في ما عساه أن يكون غرض عمرو من دعوته على هذه الصورة.
ولما وصل دار عمرو خفق قلبه مخافة أن يسمع من الحاجب خبراً جديداً يزيد قلقه فلم يكلمه الحاجب إلا بقوله أن الأمير ينتظرك في غرفته الخصوصية.
فمشى عبد الله إلى تلك الغرفة وهو يقدم قدماً ويؤخر أخرى حتى وصل إلى الباب فإذا هو مغلق فقرعه ووقف ينتظر فتحه ثم سمع خطوات تسرع نحو الباب تتخللها همس لم يفهم منه شيئاً. وبعد هنيهة فتح الباب فإذا عمرو نفسه يفتحه بيده فبغت لما رآه أمام عينيه وعلى وجهه دلائل الغضب. فحياه عبدا لله فلم يزد عمرو على قوله «وعليك السلام» وسار إلى صدر الغرفة فتبعه عبد الله وهو ينظر إلى جوانب المكان لعله يرى فيها أحداً. فلم يجد فالتبس عليه الأمر لما سمعه من الهمس وهو واقف خارجاً. ولكنه رأى في بعض جدران الغرفة باباً عليه ستار وهو يعلم أن ذلك الباب يستطرق إلى غرفة أخرى فظن بعض نسائه كانت عنده فلما علم بقدومه صرفها من الباب الآخر واستقبله.
وكان عبد الله يفكر في ذلك وهو ماش في ثرا عمرو حتى جلس عمرو على مقعده فوقف عبد الله بين يديه ينتظر أمره بالجلوس فأشار إليه فجلس على وسادة بالقرب منه وهو ينتظر ما يقوله وقد نفد صبره.