دفاع خولة
وكانت قطام تتكلم وخولة مطرقة تفكر بماذا تجيب. أما عبد الله فإنه لعن الساعة التي أتت بها تلك الخائنة وخاف على خولة أن تتلعثم أو تفحم لأن الأدلة قوية.
أما والد خولة فلم يكد يسمع حديث قطام حتى استشاط غضباً وصاح في خولة بأعلى صوته «الله عليك يا خائنة لقد\ فهمت الآن تلاعبك ونفاقك» ثم التفت إلى قطام وقال «وأي متى لقي عبدك عبدي مع ذلك الرجل في الكوفة».
قالت «ليلة ١٧ رمضان».
فأطرق برهة ثم اقترب من خولة وجذبها بيدها إلى وسط القاعة وقال لها بنغمة الانتهار «لقد انكشف لي القناع وعلمت سبب فرار بلال كما تزعمين. أرسلته مع حبيبك ليساعده على إنقاذ أبي تراب (علي بن أبي طالب) وقالت لي أنه فر بالجملين والظاهر أنه أخذهما معه ليركب هو ورفيقه عليها» ثم التفت إلى عمرو وقال «إن ابنتي يا سيدي تستحق القتل اقتلها أو دعني أقتلها بين يديك».
فوقف عبد الله للحال وقد ثارت فيه الغيرة على خولة وهو يظن سكوتها خوفاً أو ارتباكاً لأنه لم ير ملامحها من وراء النقاب فأمسك أباها بيده وقال برزانة وسكينة يخاطب عمراً «ألتمس من مولاي الأمير الذي أمر أن تكون خولة زوجة لي أن يوقف أباها عند حده فهو الآن لا يملك من أمرها شيئاً. أما إذا اقترفت هي ذنباً تستوجب عليه قصاصاً فالأمر فيه لمولاي وليس لأحد سواه».
وكان عمرو قد اقتنع بثبوت الجريمة على خولة ولكنه أحب أن يسمع دفاعها ورأى عبد الله يتكلم بحق وعدل فقال لأبي خولة «دع خولة فأنت كما قال عبد الله لا تملك من أمرها شيئاً».
فتنحى أبو خولة وهو يلهث ويدمدم ولحيته ترتعش في صدره. وتنحى أيضاً عبد الله وخولة لا تزال واقفة. أما قطام فول أزاحت خمارها لبان الابتهاج على وجهها فنجاح مهمتها.
فقال عمرو «ما بالك يا خولة لا تدافعين عن نفسك. أليس ما قالته قطام عنك صحيحاً؟ هل كنت عالمة بخبر المؤامرة على قتلي؟»
قالت «نعم».
قال «وهل ساعدت سعيداً على إنقاذ الإمام عليّ فأرسلت معه خادمك وجمليك».
قالت «نعم كل هذا صحيح».
فتعجب عمرو وسائر الحضور من صراحة إقرارها وقد كانوا يتوقعون إنكارها وتلعثمها أو على الأقل سكوتها. فلما رآها تجيب بهذه الصراحة قال لها «وكيف تظهرين هذه الغيرة على صاحب الكوفة (علي) مع علمك أن والدك لا يريد ذلك ثم لا يخطب ببالك أن تخبري والدك بخبر المؤامرة على قتلي لكي يطلعني عليه. ألا تعلمين أن عملك هذا يعد خيانة تستوجبين عليها القتل. وها أني لا زال أطيل بالي عليك لأسمع دفاعك فأخبريني أولاً كيف تكونين على غير ما يريده والدك وأمير بلادك؟ ثانياً: كيف تسعين لإنقاذ علي بن أبي طالب ولا تسعين في إنقاذ أمير مصر؟»
وقبل أن تهم خولة بالجواب اعترضتها قطام قائلة «أرى مولاي الأمير يتعب نفسه بما لا طائل تحته. هل بعد إقرارها الصريح من باب للنجاة؟ لا دواء لهذه الخائنة إلا القتل».
فقالت خولة وهي تنظر إلى قطام شذراً «سوف يتضح لنا من هي الخائنة وقد يجدر بك التأدب في حضرة الأمير فإنه أعلم منك بقواعد الأحكام».