الساعة ذات البندول
أمي تصغر أبي بسنوات عديدة. ألتقط من ذكرياتهما أنها كانت — لصغر سنها، قبل أن يأتي الأبناء — تخاف الليل، فهي تنتظره في الشرفة المطلة على شارع إسماعيل صبري. إذا غلبها الخوف، نزلت تنتظر مجيئه على كرسي البواب.
لم يكن أبي يدخل مع أمي في مشادَّة ما، ولا يحاول توبيخها، أو تشديد ملاحظاته عليها. حتى قسوتها الدائمة علينا — فرط حنان، كما تفعل القطة حين تأكل صغارها — لم يكن يقابلها بغضب ولا ثورة، إنما هي ملاحظاتٌ مداعِبة، تخاطب الطفلة بأكثر مما تتجه إلى الزوجة.
يرفض أبي — في الأوقات التي تُظهر فيها أمي اختلافها معه — أن يعطيها ما يعيدها إلى أهلها في دمنهور: اعقلي … وخليكي مع أولادك!
تصر — أحيانًا — أنها أخذت على خاطرها، فهي لابد أن تعود إلى بيت أبيها. تتطلع إلى الساعة ذات البندول التي تتصدر جدار الصالة — تكرر المشهد! — وتسأل: أليست هذه ساعة أبي … أعطني إذن ثمنها.
يقول أبي في ابتسامة حانية: أعطيت أباك، وأعطيتك، ثمنها مرات كثيرة من قبل.
تهز كتفيها: لا شأن لي … أريد ثمن الساعة.
— لمحمد فوزي أغنية تقول: الساعة واقفة … والا بتمشي …
سمعتك تدندنين بها … غنها لي أصحبك إلى دمنهور.
ترافق ابتسامة نبرته المحرضة: غن لي … غن لي.
تَزُم أمي شفتيها، كي لا تُفلت منها ضحكة، ثم تُخَلِّي للضحكة سبيلها.