سباق القوارب
أشار أبي إلى الطاولة التي كان يجلس إليها عم حسونة غباشي، وقال: أين الرجل؟
قال الجرسون عطية: هزيمة قوارب السيالة أمام قوارب رأس التين ألزمته البقاء في القُزق (ورش المراكب) ليصنع قاربًا يصعب تجاوزه!
نشأت الصداقة بين أبي وعم حسونة في توالي اللقاءات — صباح كل جمعة — أمام مقهى المهدي، أسفل بيتنا، ينتظران خطبة الشيخ عبد الحفيظ إمام جامع سيدي علي تمراز، تجتذبهما كلمات الرجل ضد الإنجليز والسراي وأحزاب الأقلية، لا تشغله تحذيرات وزارة الأوقاف، ولا تهديدات السلطة القائمة. آلاف المصلين يملئون صحن الجامع وخارجه، جموع من البشر يفترشون ميدان «الخمس فوانيس» وأجزاء من شوارع رأس التين وسراي محسن باشا والتمرازية وإسماعيل صبري وفرنسا.
من يضمن رد الفعل لو أن الأوامر صدرت بنقله، أو إسكاته؟
كان عم حسونة غباشي في حوالي الخامسة والأربعين، أَمْيلَ إلى البدانة، في وجهه استدارة تهبه طفولة واضحة، مشط شعره الخفيف بامتداد الرأس ليداري صلعته، تدلَّى طرفا شاربه على جانبي فمه. له طريقة مميزة في نطق الكلمات، يغلب التلعثم على نطقه، فيصعب عليه التعبير عن نفسه. تتداخل الكلمات في غمغمات غير مترابطة.
كان معظم حديث عم حسونة عن سباق القوارب. يجيد الانتقال من أحاديث خطب الشيخ عبد الحفيظ والسياسة والانتخابات والحرب الكورية إلى سباق القوارب. يُعِد له أبناء رأس التين والسيالة في امتداد العام، يبذلون كل قدراتهم لصنع قوارب تخوض السباق في أول أيام عيد الفطر، يفوز أحدها بالمركز الأول، فيحمله الرجال على رءوسهم، وتعلو أصواتهم بالغناء. إذا كان القارب للسيالة، ردد الرجال:
وإذا كان القارب لرأس التين، ردد الرجال:
صحبني أبي — ذات عصر — إلى ورش القُزق، ما بين سينما السواحل وقُبالة شارع الحجاري، بلانسات ولوتسات ولانشات وقوارب وفلايك. جديدة، وقديمة يجري إصلاحها، وهياكل خشبية، وروافع، ومناشير هائلة، وأدوات نجارة.
لم يُخفِ عم حسونة — في ترحيبه بأبي — تأثير المفاجأة.
رنا أبي إليه بنظرة مودة: هل خاصمتنا؟
– أنت أعز الأصدقاء.
– إذن خاصمت الشيخ عبد الحفيظ؟
– لو كنت صوفيًّا لاعتبرته قطبي.
– فلماذا انقطعت عن صلاة الجمعة في علي تمراز؟
– أصلِّي في جامع طاهر بك بالحجاري. قريب من القُزق.
ثم بلهجة أسيفة: لابد أنك عرفت ما حدث. لن أضيع دقيقة حتى أصنع القارب الذي تعجز عن ملاحقته كل قوارب رأس التين!