عفريت الليل
كنا — بمجرد ظهور الرجل في أول الشارع — نترك ما بأيدينا من لعب، كرة شراب، بلي، استغماية، طائرات ورقية، ونتجه ناحيته.
تعلو أصواتنا: عفريت الليل بسبع رجلين.
نكرر الكلمات منغَّمة، والرجل ذو الأفرول المتسخ يرمقنا بنظرة صامتة، لا تشي بتعبير محدد. يحمل العصا الطويلة، الرفيعة، في نهايتها ما يشبه السلك النحاسي، يصله بالمصباح المطفأ من خلال فتحة الحاجز الزجاجي، فيضاء.
تأخذ العملية ثوانيَ قليلة، ثم يواصل الرجل سيره — في خطوات مهروِلة — نحو عمود إنارة آخر، وهكذا.
كانت تسمية العفريت ظالمة، فالرجل ضامر الجسد، أسمر البشرة، له عينان تداخلت فيهما الصفرة بالبياض، وفم مفتوح تساقط معظم أسنانه. ولعل اتساخ أفروله، أو لأننا لم نكن نراه إلا ليلًا، كان هو مبعث التسمية التي نضمِّنها كلماتنا القاسية.
استطالت ظلال الغروب — ذات يوم — ثم حلت العتمة. تنبهنا إلى عدم قدوم الرجل في موعده.
في اليوم التالي، ظلت المصابيح مطفأة. ثم طالعنا — في اليوم الثالث — شاب يمسك العصا الرفيعة، ذات النهاية السلكية.
تجرأت، فسألته: أين ذهب الرجل؟
— ربنا افتكره.
وجرى في اتجاه بقية المصابيح.
كتمنا الكلمات التي اعتدنا غناءها، ربما لمفاجأة وفاة الرجل، أو لأننا خشينا رد الفعل في ملامح الشاب الجامدة!