هذا ما حدث
قال عم جعفري: عند عودتك إلى المدرسة صباح السبت، سأكون قد قرأت المجلة، فأعيدها لك.
كان عم جعفري هو حارس مدرستي الفرنسية الابتدائية الأميرية، في شارع جانبي قبل نهاية شارع المأمون، تختلف عن بنايات المدارس الابتدائية — ربما لأنها أولى المدارس الابتدائية التي جعلت من الفرنسية لغة أولى — بطابع القصر، وبالفناء الواسع، والفيلَّات الملاصقة، والهدوء الذي يحيط بها، ووجبة الغداء الساخنة، نهبط إليها في مطعم البدروم.
كان عم جعفري في حوالي الخمسين، تشي لهجته بأصله الجنوبي. كنا نخطب وُده بمناقشته في الغناء الذي يحبه، والأغنيات التي يستمع إليها في الراديو الخشبي الصغير، داخل غرفته المطلة على فناء المدرسة.
لمح في مجلة «المصور» — وأنا أتصفحها وقت الفسحة — إشارة إلى حفل فريد الأطرش، في تلك الليلة.
قال: أعطني هذه المجلة.
اعتذرت بأني اشتريت «المصور» لأبي، وأني ربما لا أجدها في طريق العودة إلى بحري.
ارتسمت في ملامح الرجل خيبة أمل واضحة. حدثني عن الحفل الذي ينتظره، والأغنية التي أعلنت الإذاعة أن الأطرش سيقدمها في الحفل.
لاحظ الرجل ترددي، فقال: مجرد أن أقرأ استعدادات الحفل وكلمات الأغنية.
قبل أن يسألني أبي عن المجلة، ادعيت أني نسيتها في المدرسة.
قال أبي: المهم ألا تضيع!
طالعتني — صباح السبت — حركة لم أعتدها في المدرسة، وزحام أمام غرفة عم جعفري.
فاجأني الولد مرعي عبد المجيد بالقول: عم جعفري مات.
أضاف للذهول في ملامحي: أغلق على نفسه من البرد. خنقه فحم المدفأة وهو يقرأ ويستمع إلى الراديو!
حين عدت إلى البيت، سألني أبي: هل أحضرت المجلة؟
أدركت أن كرة الكذب الثلجية ستواصل التدحرج. قلت وأنا أتهيأ للبكاء: عم جعفري مات.
امتزج في نظرة أبي عدم الفهم، والإشفاق على ما بدا أني أعانيه.