عشق البحر
أستمع إلى أغنية «على بلد المحبوب»، فأتذكره.
كان صديقًا مشتركًا لمحمد حافظ رجب، ولي. مضت عشرات الأعوام على آخر لقاءاتنا القصيرة، المتباعدة. يبدو كل شيء مغلفًا برمادية خافتة: الملامح الظاهرة، وبداية الصداقة، وأماكن اللقاءات.
كنت في حوالي السادسة عشرة. وجدت فيه اكتشافًا جميلًا للمناقشة فيما أقرؤه، ومحاولات الكتابة الأولى، وفي حكاياته عن الحياة فوق أسطح البواخر، وداخل المطابخ والغلايات، والمواني والمدن التي يشاهدها بتمازج الفضول والدهشة. البنايات والشوارع والساحات والعادات والتقاليد والعلاقات العابرة والصفقات الهامسة في الأركان الملتفة بالشحوب والحوادث الطريفة والمآزق.
يستعيد أغنية أم كلثوم:
يضغط على كلماته: مع ذلك، فأنا أعشق البحر بلا حدود … أعشق رحلاته، والحياة المتجددة على أمواجه.
سافر في إحدى رحلاته. بعث برسالتين أو ثلاث، تحدث عن المدن التي يتنقل بينها، فلا يتاح له العودة إلى الإسكندرية. ثم انقطعت رسائله، ولم نعد نلتقي.
أستمع إلى أغنية أم كلثوم. أستعيد لقاءاتي بمحمد خاطر السيد؛ أحاديثه، وكتاباته، وعشقه المطلق للبحر. والسؤال الذي تحركه الصور والرؤى والأخيلة: متى يتاح لي ركوب البحر؟!