هيلا ليصة
الصباح ضبابي، خريفي، ينذر ببرودة، وأنفاس البحر؛ رائحة اليود والملح والطحالب والأعشاب، تترامى من وراء الشُّوَن والمخازن. تساقطت أوراق الشجر المصفرة، الجافة، على الأرض. وإلى جانب الرصيف حصان مد خَطْمه في مِخلاة التبن الملقاة أمامه، تناثرت بقاياها في دائرة واسعة حولها.
أميل إلى الشارع المسفلت، في نهايته سور حجري يطل على الميناء، ويصل بين شُوَن الغلال على جانبي الشارع. العصافير تشكل غيمة صوتية، وهي تتسلل — لالتقاط القمح — من الأسقف المفتوحة.
تطول وقفتي أمام كشك الشاي المستند إلى السور الحجري. تتزايد أعداد العمال فيشكلون ما يشبه نصف الدائرة حول الكشك، وفي أيديهم أكواب الشاي.
في السابعة تمامًا، يبدو خليل أفندي قادمًا من أول الشارع. يولج المفتاح في القفل الضخم، يتشارك العمال في دفع الجرار الحديدي، يسبقنا خليل أفندي في الدخول.
أدركت — منذ أول أيام عملي في الشُّونة — أن القصد مجاملة ابن عم أبي محمد علي جبريل رئيس قلم القضايا في بنك التسليف. لم أكن أمارس عملًا ما، ولم تصدر لي توجيهات لأنفذها. طلب خليل أفندي أن أراقب العمال، وهم ينقلون أجولة الغلال من السيارات إلى داخل الشُّونة، يرصونها في بلوطات أشبه بالمربعات الهائلة.
بعد عشرة أيام، صحبني خليل أفندي إلى تقاطع، وقال: أنت معنا في إجازة الصيف.
أومأت برأسي دلالة الموافقة.
قال: أخشى أنك لا تراقب العمال كما يجب!
وأنا أغالب الحيرة: كيف أراقبهم؟
وهو يهز إصبعه: أبلغني بكل ما تراه من تقصير.
عدت إلى وقفتي وسط العمال. أراقب حركتهم بين السيارات والشُّونة، وأستمع إلى أغنياتهم التي تبدأ بالهتاف: هيلا ليصة، ويغيب عني الكثير من مفرداتها، وإن اتسمت بأنغام محملة بالحزن والحنين. تجتذبني اللحظة بكل شجوها. أنسى ملاحظة خليل أفندي، لا يشغلني من يلتمس الراحة داخل أزقة البلوطات المتقاطعة، أو يفرد طعامه، أو تتلكأ خطواته.
شاركت العمال أداء أغنياتهم.