النيل
القصيدة مودعة في ذكريات الصبا الباكر. لا أذكر — بالطبع — متى استمعت إليها للمرة الأولى، لكن الذي أذكره جيدًا، أني كنت أحفظ أبياتها، حين وجدتها ضمن أبيات القصيدة كاملة في «المحفوظات» المقررة ضمن مواد المرحلة الثانوية.
لامست موضعًا رهيفًا داخلي، فأحببتها. أمرنا المدرس بكتابة موضوع إنشاء نحدد موضوعه بأنفسنا. اخترت — بلا تردد — قصيدة شوقي.
تحدثت عن أم كلثوم — لم أكن أعرف معنى الأداء بعد — وتحدثت عن اللحن. لولاه ما تغلفت الأغنية بنورانيتها، وإن كنت تأخرت كثيرًا قبل أن أعرف اسم الملحن: رياض السنباطي. تحدثت كذلك عن تأثير الأبيات في نفسي، ما وهبته لي من صور هطول الأمطار على رءوس الجبال في الحبشة، الفيضان، احتفالات عروس النيل، الوادي، الخضرة. منابع النيل تبعد عن مصر آلاف الكيلو مترات، لكن النيل ظاهرة مصرية. حتى مقولة هيرودوت «مصر هبة النيل» — رغم قسوتها — تضغط على هذه الظاهرة، وتؤكدها. يأتي الحديث سريعًا عن بلاد ومدن وقرى، يقطعها النيل في رحلة المنبع والمصب … لكن الحديث يتباطأ حين يطل على المدن المصرية، بدءًا بالشلالات، وانتهاء بعناق البحر المتوسط.
أُعجِبَ المدرس — اسمه، فيما أذكر، الأستاذ عبد العليم — بما كتبت، ومنحني الدرجة النهائية. أزمعت أن أكتب — في قادم الأيام — عن النيل من خلال هذه الأغنية، شعر شوقي، ولحن السنباطي، وأداء أم كلثوم.
كانت حرفة الأدب تناوشني، وإن لم تدركني تمامًا. وكانت تنويعات القراءة تتجاذبني، فلم أستقر على اللون الأدبي الذي أخوض مغامرته.
في حياتي الكثير من المشروعات المؤجلة.