صافيني مرة
تعرفت إليه في ناصية شارعي رأس التين وفرنسا. شاب في حوالي الخامسة والعشرين. بيضاوي الوجه، أبيض البشرة، له عينان زرقاوان، دائمتا التلفت، ينسدل شعره الذهبي على قفاه، تتطاير خصلات منه، فيزيحها براحته إلى الوراء.
سألني عن عنوان شركة قريبة. اتصل الحديث، فصرنا أصدقاء.
اسمه ديمتري — هو نفسه أحد شخصيات روايتي الشاطئ الآخر — تعرفت منه إلى ناظم حكمت وكفافيس وغيرهما من الشعراء الذين لم أكن قرأت لهم من قبل. ولم يكن في قراءاتي ما أقدمه له سوى ما حفظته من كتب التراث.
فاجأني ديمتري بلغة عربية تداخلت بألفاظ أجنبية، بأنه يحفظ أغنية عبد الحليم حافظ «صافيني مرة». ردد كلمات الأغنية، وحاكى موسيقاها بالدندنة.
صحبني ديمتري إلى عوالم جميلة من السرد والتشكيل والغناء، فأحببت صداقته، وتصورته صديقًا أبديًّا.
لما فاجأني بالزقاق المظلم في حياته (أذكرك بروايتي «الشاطئ الآخر») قررت أن أمضي — بعيدًا عنه — في الشوارع الفسيحة، المنيرة.