عشق الروح
في حوالي العشرين. ترتدي فستانًا ضيقًا، عليه نقوش مستديرة ملونة. أهملتْ إغلاق الزرار العلوي، فظهر من صدرها ما أغراني بالتحديق. سمراء البشرة، عيناها سوداوان مكحولتان، عَقَصَت شعرها في جَديلة ألقتها خلف ظهرها. لردفيها الممتلئين استدارة واضحة، تختلف مع الضمور النسبي للخصر وأعلى الصدر.
تعرفت إليها في أشهُر إقامتي بالسيالة.
التقينا — للمرة الأولى — عند عم عبد المعطي مكوجي الرجل على ناصية شارعي العوامري والسيالة. اجتذبتني الحياة في الحي الشعبي بناسه وتجاره وحرفييه وسلوكيات حياته. أمضي الساعات متأملًا انحناءة عم عبد المعطي على مكواة الرجل، فصاله مع الزبائن، تبادله النكات مع أصحاب الدكاكين المجاورة، تعليقاته المرحة على ذوات الملاءات اللف والبسمات المحرضة.
طلب شهادتي في قيمة كي الملاءة. ذكرت ما اعتدت سماعه منه، وهو يعد أنواع الملابس. اتجهَتْ ناحيتي بسؤالها. أجبت بما أعرفه.
التقينا بعيدًا عن بحري.
سرنا في منطقة السلسلة، والشوارع المتفرعة من محطة الرمل، وحدائق الشلالات (قبلتها تحت ظل شجرة) والشوارع المحيطة باستاد البلدية.
كنت — آنذاك — مفتونًا بروايات «محمد عبد الحليم عبد الله». وجدتها امتدادًا جميلًا لروايات المنفلوطي، التي قرأتها في مكتبة أبي. كلمتها عن التسامي في الحب، وعن يتمي الباكر، فأنا أريد في حبيبتي عاطفة أمومة. وكلمتني عن زوجها البحار، حياته كلها في البحر، حتى في أيام إجازاته ينشغل بأصدقائه، وقعدات قهوة الزردوني.
أستعيد الآن ملامحها وهي تغالب التوتر: أنا في حاجة إلى رجل!
شردت في المعاني الجميلة، وقلت: أنا أيضًا في حاجة إلى حبيبة لها قلب الأم.
ودندنت، كأني أغني لنفسي:
كان ذلك آخر لقاءاتي بالمرأة. لم تعد تتردد على دكان عم عبد المعطي، ولا رأيتها في شوارع بحري.