حسن ونعيمة
لا أذكر أين ولا متى التقيت بعبد الرحمن الخميسي للمرة الأولى. ربما اتصلت به في التليفون، أسأله رأيه في بعض القضايا الثقافية، وربما التقيت به في مبنى جريدة «الجمهورية». ولعلي تعرفت إليه في مسرح «الكورسال»، حيث كان يجري بروفات مسرحية.
كنت قد قرأت للخميسي قصائد وقصصًا قصيرة في المصري والنداء، وصياغته لألف ليلة وليلة، وشاهدت فيلم «حسن ونعيمة» الذي قامت ببطولته أشد فنانات جيلنا مصرية: سعاد حسني.
ما أذكره أنه اجتذبني إليه في لقائنا الأول، ذلك الذي لا أذكر أين ولا متى حدث، اختلاط الطيبة والبساطة والثقافة والشخصية الآسرة، ما يُسمى بالكاريزما، لا يشخط، ولا ينتر … لكن الجميع ينفذون أوامره، فلا أسئلة ولا استفسارات.
تكررت الموضوعات التي أخذت فيها رأيه. وطلب كمال الجويلي، الناقد التشكيلي، ورئيسي في العمل — ذات مساء — حوارًا سريًّا مع شخصية معروفة، فاتصلت بالخميسي. لم أجده. تجرأت، فأجريت الحوار بيني وبين نفسي، وقدمته إلى الجويلي.
قال الخميسي، بعد أن قرأ الحوار: متى أجريت معي هذا الحوار؟
– كتبت ما أعرف أنها آراؤك.
قال في بساطته الطيبة: لم أكن أتصور أنك تجيد التعبير عن رأيي إلى هذا الحد.
ترددت على مسرح الكورسال. تابعت بروفاته المسرحية. الخلفية الموسيقية تذكرني بأغنيات شعبية أحبها. ميزت سعاد حسني وسلوى محمود من بين زواره في المسرح.
طالت البروفات — ليلة — فقرر الخميسي أن يستكمل قراءة النص في شقة بأول شارع شبرا.
انتهت بروفة القراءة، وبدأ الممثلون في العودة إلى بيوتهم. دس الخميسي في أيدي البعض ما لم أتبينه.
فوجئت — وهو يصافحني — أنه وضع في يدي عملة ورقية. فردْتُ يدي على خمسين قرشًا.
– ما هذا؟
– مواصلاتك.
غلبني التأثر فبكيت. طفرت الدموع من عينيَّ، فلم أستطع إسكاتها، سقطت الورقة، وإن ظلت يدي مفرودة كجزء من تمثال.
بعد غيبة مني، أتاني صوته الضاحك، العميق، على التليفون: مخاصمني؟! … فمن سيكتب حوارًا معي دون أن أعرف؟!