الأمل … والهزيمة
الدنيا غير الدنيا، في الشوارع، ووسائل المواصلات، والوجوه المطلة من الشرفات والنوافذ، والواقفين أمام البيوت، وفي النواصي، والجالسين على المقاهي. دوامات من الأسئلة والمناقشات والتحليلات والتوقعات، وأجهزة الراديو — على آخرها — تعلن بدء الهجوم الإسرائيلي، وعشرات الطائرات التي بدأ تساقطها، والحِرَفيون الذين اعتدت رؤيتهم حول عربة الفول أمام دار الجمهورية، مضَوا ناحية كشك الشاي والقهوة المجاورة، يتابعون الأنباء الجميلة.
رددت الأغنيات حتى حفظتها: «طول ما أملي معايا … وﻓ إيديَّ سلاح، أصبح عندي الآن بندقية، قوم بإيمان وروح وضمير، حرية أراضينا … فوق كل الحريات، فدائي … أهدي العروبة دمائي، اضرب … اضرب … اضرب … لاجل الصغار … لاجل الكبار، ولا يهمك يا ريس … م الأمريكان يا ريس، التار يا استعمار، خلِّي الصحاري الواسعة تشرب دمهم … خلِّي الصقور الجارحة تنهش لحمهم»، وأغنيات وأناشيد أخرى كثيرة.
الثمار الناضجة تدلت، فليس أمامنا إلا أن نمد أيدينا ونلتقطها. إذاعة أحمد سعيد تعلن توالي سقوط الطائرات. زميلي في الجريدة عبد الحميد عبد النبي يوبخ — بقسوة — زميلنا جمال فكري لتخوفه من إعلان انسحاب القوات المصرية إلى خط الدفاع الثاني. معنى ذلك، في تقديره — وهو العسكري السابق — وقوع الهزيمة: هذه كلمات خيانة!
سكت جمال فكري، وإن امتد أصبعه — بتلقائية — يمسح دموعًا طفرت من عينيه.
في اليوم التالي، أذاع الراديو أغنية «وطني وصباي وأحلامي». كنت قد استمعت إليها من قبل كثيرًا، وأحببتها، لكنها حركت في داخلي ما يشبه القلق، أو الخوف. ثم غنى محمد فوزي «بلدي أحببتك يا بلدي» فقارب الشك التيقن.
عدت إلى جهاز التلكس بالجريدة، أتابع برقيات وكالات الأنباء. تبينت فجاجة الثمار، وأدركت حجم المأساة.
في مساء التاسع من يونيو أذهلني تنحي عبد الناصر. اخترقت — مع الملايين — ظلمة القاهرة، أهتف بعودة عبد الناصر.
أحبه، لكن السؤال يمتد بمساحة القلق والخوف في داخلي: هل يترك القبطان السفينة في عز مواجهتها للعاصفة؟!