يا عشاق النبي
أتاح له إشرافه على القسم الثقافي بجريدة «المساء» أن يقرأ في القصة والرواية والموسيقى والفن التشكيلي والتاريخ وعلم الاجتماع، وغيرها مما كان مسئولًا عن إجازته، ونشره، في الصفحة الثقافية.
كنت أعتبر الجمل مثلًا للمثقف الذي يتابع — بالضرورة، وبحب المعرفة — معظم ما ينتجه الواقع الثقافي، سواء كان مؤلَّفًا أم مترجَمًا. ومن المؤكد أن جيل الستينيات يدين للجمل بفضل الرعاية والتقديم، ليس في جنس أدبي، أو فني، محدد، وإنما في كل مجالات الإبداع الإنساني.
لأني أحب الموسيقى الشرقية، الربع تون، المقامات، التطريب، فقد كان اختلافي مع الجمل في رفضه المعلن للموسيقى الشرقية، رغم حرصه على نشر مقتطفات من التراث العربي في الشعر والسرد، يذكرني بأستاذنا حسين فوزي الذي أجاد الغوص في بحار التراث العربي، وأعلن انحيازه الكامل — في الوقت نفسه — للثقافة الغربية.
كانت تتناثر — في قعدة الجمل — أسماء نيتشة وسارتر ودي بوفوار وهمنجواي وديستويفسكي وفلوبير وفرويد وراسل والوجودية والسوريالية والرواية الجديدة وغيرها. كانوا يغالون في رفض التراث، وفي رفض الأداء العربي بعامة. ولولا أن اللغة العربية كانت هي لغة الكتابة، ربما دعوا إلى الكتابة بلغات غربية. وكنت أشك أن رفض الجمل هو مجرد مسايرة لمن يجالسونه!
أُعجَب بيحيى حقي الذي أحب الموسيقى الشرقية، وأجاد سماع الموسيقى الأوبرالية. الإعجاب بنتاج ثقافي لا يعني رفض النتاج الثقافي المغاير. لكن ذلك ما كان يحرص عليه رواد قعدة الجمل، وإن ظللت على ثقتي في أن ترديده لآرائهم لم يكن سوى مسايرة.
كان الجمل يدندن — في أثناء عمله — بأغنيات شعبية، وشرقية.
سمعته يردد: يا عشاق النبي … صلوا على جماله.
قال فيما يشبه الارتباك: مجرد لحن تذكرته!
زرت عبد الفتاح الجمل في شقته بمدينة نصر.
اجتذبني الطابع الشرقي الذي وسم كل ما في الشقة. حتى اللوحات المعلقة على الجدران لتكوينات من الفن الإسلامي والحروف العربية. وتناهت من الريكورد كاسيت القريب موسيقى شرقية خافتة.
أبديت ملاحظة حول اقتصار المكتبة على الموسيقى والأغنيات الشرقية.
التفت الجمل — بعفوية — ناحية الجزء الموسيقي في مكتبته. هز رأسه بما يعني التهيؤ للكلام. تحركت شفتاه …
ثم ظل صامتًا.