بنات طارق
لست أذكر متى بدأ الأمر، ولا كيف تطور، حتى هددنا وِلْد دادي — رئيس الإذاعة الموريتانية، والقيادي المهم في الحزب الموريتاني الحاكم — أنهم سيُضطرون إلى اعتبارنا أشخاصًا غير مرغوب فيهم.
سألت أستاذنا محمد فتحي: ماذا تعني هذه الصفة؟
افتَرَّ فمه عن ابتسامة هادئة: تعني أنهم قد يرحلوننا عن نواكشوط بالقوة!
– لكننا نحن الذين نطلب الرحيل؟
دون أن تزايله ابتسامته: هذا هو معنى الصفة.
قضيت ليلة مزعجة، أسلمت نفسي فيها لهواجس ووساوس وتصورات.
لم نفرض التوتر، ولا سعينا إليه.
كنا نعاني فراغًا قاتلًا، المحاضرات التي نلقيها في بيت الثقافة المهدى من الصين تنتهي عند الظهر. نتلفت — بعد الغداء — حولنا، نتساءل عن أي الأماكن نقضي فيها بقية اليوم؟
حاولنا أن نقضي إجازة الأحد في رحلة إلى السنغال. نعبر النهر إلى الضفة المقابلة، نمضي النهار ونعود.
لكن الشرطة أعادتنا في بداية الطريق.
اعتبرنا ما حدث إجراءً سخيفًا يشي بديكتاتورية الدولة التي قدمنا لتدريب كوادرها الإعلامية، وتطوير الإذاعة، وبث برامج التليفزيون، وإصدار الجريدة الأولى.
نقل الأرصاد استياءنا إلى وِلْد دادي. زارنا في فندق «مَرْحَبَا». رفض مجرد أن يستمع إلى وجهة نظرنا. علا إيقاع المناقشة حتى وصلت إلى طريقها المسدود.
كان الوفد يضم عراقيًّا وجزائريًّا وخمسة مصريين. أُجريَت — في أثناء الليل — اتصالات بين سفارات الدول الثلاث ووزارة الإعلام الموريتانية. اعتذر الوزير بأن مدير الإذاعة أساء الفهم والقول. أضاف إلى اعتذاره حفلاتِ استقبال في فندق «بارك» وسط العاصمة الموريتانية، وفي خيام على أطراف المدينة.
حفلات الخيام هي أجمل ما بقي في الذاكرة؛ فرق غنائية، قوامها مطربات وعازفات وراقصات يتعالى شدوهن الجميل: