يا زايد في الحلاوة
كنت — قبل أن ألتقي به للمرة الأولى — قد استمعت إلى العديد من أغنياته في إذاعة الإسكندرية. أضاف إلى مكانته عندي ذكر نجيب محفوظ في روايته «ميرامار» لأغنيته الشهيرة:
اختصر مقدمات الصداقة، وكلمني باعتباري صديقًا.
لم يضايقه اختلاف آرائنا، حدثته عن بحري ونجيب محفوظ وعبد الحليم حافظ، وحدثني عن الغناء سيدًا وحيدًا في حياته.
فوَّت ملاحظتي عن بحري فهو يحبه مثلي، ونجيب محفوظ لأنه لا يعرفه. أما عبد الحليم حافظ فهو — في تقديره — مجرد مغنٍّ أتاحت له الظروف — فضلًا عن الذكاء الاجتماعي الذي لم ينكره — أن يحتل مكانة هو أجدر بها منه.
قال لي عزت عوض الله: عبد الحليم مجرد بروباجندا، رسم على الناس اليتم والملجأ والفقر وادعاء صداقة كبار الإعلاميين! حتى البلوفر أو السويتر الذي يلقيه عبد الحليم على كتفه، يحرص أن يكون ذلك بطريقة لافتة.
كان فنانًا — بالفعل — في طيبته وتلقائية تصرفاته، وفي حرصه على صباغة شعره، وطريقة تصفيف الشعر، ونوعية ثيابه، ودندناته — ربما بلا مناسبة — بأغنياته، وأغنيات المطربين القدامى.
تعددت لقاءاتنا.
أحرص، فلا أتكلم إلا فيما يشغله. وكانت المكانة التي حصل عليها عبد الحليم بدلًا منه هي شاغله الذي لا يمل التحدث فيه. وتطلع إلى مشروعات فنية لا يهجر من أجلها الإسكندرية. إذا ابتعد، لسبب ما، عنها — كم يحب أهل الإسكندرية مدينتهم! — فإنه يسافر ويعود، دون أن يقضي خارج المدينة ليلة واحدة.
تباعدت لقاءاتنا، وإن حرصت على البحث عنه في كل عودة إلى الإسكندرية. يكرر ما ألفت سماعه عن الظروف المعاكسة، والخطط التي أُحسن تدبيرها، والفرص التي سرقها منه الآخرون. يتحدث عن أغنيات جديدة ومسرحيات استعراضية وأفلام، وعن فرق تجوب مدن الوطن العربي، تُلقَى عصا «عوض الله» فتبتلع أفاعيل الحواة، ورفَّت على شفتيه بسمة طفل لما جاء في قول صديق: بصفتك الآن مطرب الإسكندرية الأول. فهو قد ظفر بالأولوية، ولو في داخل حدود مدينتنا، وإن غلبني الإشفاق للرائحة التي كانت تفوح من فمه. أدركت أن الشعور بالإحباط يدفعه لتعاطي الخمر!
استدعت وفاة عبد الحليم حافظ — في ١٩٧٧م — أحاديث عزت عوض الله؛ مقارناته وطموحه وإحباطه.
قلت لمحدثي في مكالمة تليفونية بين مسقط والقاهرة: أرجو أن تسأل عن المطرب عزت عوض الله.
قال محدثي في نبرة تتخللها الدهشة: ألا تعرف؟ مات الرجل منذ سنوات!