فايزة أحمد
لاحظ حسين مرسي — زميلي في «الوطن» العُمانية — أني أتخلى عن الشرود، وربما الحزن، حين يتناهى صوت فايزة أحمد من دكان محيي الدين، بائع المأكولات والسجائر الهندي.
أحب صوت فايزة أحمد. أعتبره صوتًا متكاملًا. خارج المنافسة بلغة الاقتصاديين. أتابع أغنياتها منذ: ما تحبنيش بالشكل ده … أنا قلبي إليك ميال … يا امه القمر ع الباب. تضاعف حبي في أغنياتها الطويلة.
هذا هو الطرب كما ينشده وجداني، يحسن استقباله، الموجة الصحيحة، لا شأن لي بطبقات صوت، ولا مقامات، ولا حتى ما قد يشوب الأغنية من سخف كلمات، أو سذاجة لحن. أحب الصوت في ذاته. يضعني — بسماعه — في قلب النشوة.
أدركت أن الملاحظة أصبحت حدسًا. حسين مرسي يسألني: مش عاوز تسمع فايزة؟ … أو يلطِّف من حدة انشغالي: روق وانا اسمعك فايزة. ويسألني ذات يوم: تحب تسمع مين غير فايزة؟
تكررت ملاحظة حسين مرسي لفعل الصوت الجميل في وجداني. أشرد، أو ينتابني القلق، أو الحزن، أو يهدني التعب.
الأحلام التي قدمت بها من القاهرة، واجهها انعدام الوسائل، وموقع الدكان في قلب السوق ( كان مبنى الجريدة مجرد دكان خشبي، سقفه من الصاج!)، واقتصار طاقم التحرير على شخص واحد، والاكتفاء بنقل أخبار الإذاعة العُمانية، بينما تتكفل المطبعة — في بيروت أو الكويت — بالقص واللصق في بقية الصفحات.
وسَّط الشيخ سليمان الطائي صديقي عاطف الغمري لأعدل عن قرار العودة. أضاف وعدًا بأن يجاوز الوضع — في مداه القريب — صورته القائمة. انداحت في أعماقي — وفي تصرفاتي الظاهرة أيضًا — مشاعر الاستياء والغضب، والإحساس بأني بعت مستقبلي لقاء ريالات. وكنت أستعيد نصائح يحيى حقي وسهير القلماوي ونجيب محفوظ، تتفق في المعنى، وإن اختلفت في الكلمات: ما معنى أن تحصل على جائزة الدولة في الأدب، ثم تسافر إلى الخليج للارتزاق من الصحافة؟!
يختار حسين مرسي شريط كاسيت بصوت فايزة — اقتنى حسين كل أغنياتها! — يدسه في الجهاز. يتجه ناحيتي بابتسامة ود.
يثق من رد الفعل.