شاي بالحليب
لحظات ما قبل الصباح. كشك صغير من الخشب على ناصية شارع ينحدر إلى أسفل، بين اختراقات الجبال السبعة في العاصمة الأردنية، في صعود الشوارع ونزولها وتعرجها. الأبواب والنوافذ مغلقة، أو تتثاءب، وأصوات العصافير تعلو فوق الأشجار، ونسمات برد خريفية تلتقي في تقاطعات الطرق.
يجلس — قُبالة الكوخ — رجل في حوالي الستين. أمامه طاولة صغيرة، عليها كوب شاي بالحليب، وعبر نافذة الكوخ تترامى أغنية أم كلثوم:
فاجأتني الطائرة بالهبوط في مطار عُمان. رحلتي من مسقط إلى القاهرة. دفعت كل ما معي من نقود، ثمنًا للوزن الزائد — عادة المصريين! — وصعِدت إلى الطائرة. يدفع لي من ينتظرني في مطار القاهرة ما قد أحتاج إليه من نفقات.
الترانزيت — أربع ساعات — أتاح لي النزول في قلب عمان.
أبطأت خطواتي. توقفت تمامًا. أعدت تأمل المشهد: الرجل، وأغنية أم كلثوم، وكوب الشاي بالحليب.
بدا لي كوب الشاي في يد الرجل أجمل شيء في الدنيا كلها.