أمانة
لأنه بقي على موعد تحرك قطار القاهرة أكثر من ساعة، ولأن شارع عبد المنعم، الذي سجلت ما أريد من قَسَماته المعمارية، يبعد عن ميدان محطة مصر مئات الأمتار، فقد فضلت أن أفيد من الوقت — أرفض مقولة قتل الوقت، فالوقت هو الذي يقتلنا! — دخلت دكان حلاقٍ مجاورًا لمطعم البغدادي بائع الفول والفلافل، شجعني — ربما — صوت فايزة أحمد يغني في داخل الدكان: أنا قلبي إليك ميال … ولا فيش غيرك ع البال.
أومأ صاحب المحل برأسه إلى رجل في حوالي الخامسة والأربعين. الأنف ضخم، والوجنتان متهدلتان، والعينان ضيقتان، يعلوهما حاجبان اختلط فيهما السواد والبياض، وفي زاوية الجبهة اليمنى سحجٌ إلى ما وراء الأذن.
وضع الرجل الفوطة على صدري، وأدارها حول العنق، لتحول بين الشعر المتساقط والنفاذ من ياقة القميص. جرى بالمِقص إلى الحد الذي أريده، ثم لجأ إلى الماكينة يزيل زوائد الشعر من القفا، ويصنع ما اصطُلح على تسميته بالتدريجة.
ظل الرجل يصعد بالماكينة في قفاي ويهبط، حتى أحسست بالسخونة تؤذيني. خاب توقعي أن يرفع الرجل ماكينته، وينتهي الأمر.
همست في نبرة متألمة: هل بقي شعر لتزيله الماكينة؟!
اقترب بفمه من أذني: أرجوك يا أستاذ … أنا مستجد على المحل … ما يصحش أسلم الشغل ناقص!