مدرسة للغناء
كتبت — مرات كثيرة — عن قهوة فاروق. تأثيرها المهم على الحياة السكندرية، وعلى نظرتي — شخصيًّا — إلى الكثير من الأمور.
ذلك ما يَبين — على سبيل المثال — في «رباعية بحري» و«قاضي البهار ينزل البحر» و«زمان الوصل» و«أهل البحر» وغيرها. قهوة فاروق مَلْمح أهمُّ في سيرتي الذاتية «حكايات عن جزيرة فاروس». تعلمت من أغنيات الفونوغراف التي كانت تنبعث منها — في أوقات الليل — ما أضاف إلى وجداني. استمعت إلى أغنيات عبد الوهاب وأم كلثوم والأطرش وعبد الحي وليلى مراد وغيرهم من نجوم الغناء آنذاك. كانت أصواتهم أشبه بالمدرسة التي تعلمت فيها الغناء، وأحببته.
عم أحمد الفكهاني، مدرسة أخرى أضافت إلى وجداني.
أحببت الغناء في صوته. الكلمات نفسها، أو ما يشبهها، ذكرتها في «حكايات عن جزيرة فاروس». عربته المحملة بأقفاص الفاكهة، في ناصية شارع التمرازية الخلفي، الفاصل بين بيتنا وجامع سيدي علي تمراز. يبدأ البيع، والغناء، في الصباح. لا أعرف الموعد تمامًا لأني وقتها أكون في المدرسة. ربما ناوشتني أغنياته وأنا ألعب في حوش المدرسة، فأرددها بيني وبين نفسي. أعود بعد صلاة الظهر. يتناهى غناؤه وأنا أقترب من الباب الرئيس للجامع:
أتأمل معنى الكلمات، وطريقة الغناء، وتَلوُّن نبرات الصوت.
برغم التباين مع الأغنيات التي أستمع إليها في البرنامج الإذاعي «بابا شارو»، فإن الإحساس بالنشوة نفسه يتملكني.