محمود فياض
قرأت الخبر، فطويت الجريدة، وقذفت بها على الطاولة أمامي.
محمود فياض!
كان يجلس أمام دكان حلواني الطيبين في الناحية المقابلة من بيتنا. أتأمل في جلسته الهادئة، الصامتة، ما كتبته الصحف عن هتاف «يا قوة الله»، وهو يرفع ثِقْل الحديد، فيفوز بالميدالية الذهبية. أستعيد أحاديث أبي عن إفطاره الذي لا يقل عن عشر بيضات، وأنه يأكل أُقَّة بسبوسة من الطيبين في وجبة واحدة، وأنه حطم كرسيًّا بضربة في الرصيف، حتى لا تخذله أعصابه، فيؤذي من علا صوته أمامه.
لم أره يتبادل الحوار مع أحد، فهو يجلس بمفرده، وإن بدت عليه الفرحة، وشارك بالتصفيق، عندما يتوقف الراقص «سيد حلال عليه» أمام الدكان، في جولته بالحي، يتراقص بالعصا على دقات النقرزان:
اقروا الفاتحة لابو العباس … يا اسكندرية يا أجدع ناس.
لولا أني أعرف الطيبين لتصورت محمود فياض صاحب الدكان. لم تشغلني صلته بالدكان ولا بصاحبه، إنما شغلني البطل وراء الرجل.
غادرت الإسكندرية. كنت أنظر في عودتي — بعفوية — إلى الموضع الذي اعتدت — زمانًا — رؤيته فيه، وأتذكر الجسد العفي والجلسة المسترخية.
استعدت الخبر.
لم يفاجئني الموت، فهو حق علينا. ما فاجأني — الأدق أني ذُهلت — في إشارة الخبر إلى أن محمود فياض مات فقيرًا.
ما معنى أن يكون الإنسان بطلًا؟!