الأعمال بالأرداف
وفي مدينة بافالو وهي تابعة لولاية نيويورك، راهنت زوجة في لعبة سخيفة تُشبه لعبة ملك ولَّا كتابة، حيث يُلْقي المتراهنون بقطعة نقود في الهواء ثم يُراهِن كل واحد على وجه منها، أقول راهنَت الزوجة على قطيع جاموس كان يملكه زوجها وكانت هي شريكته بمقتضي الحق الإلهي، وكان معها تفويض من الزوج الشريك يخول لها حق التصرف والبيع وخلافه، ولقد جاءت قطعة العملة على الوجه غير المطلوب، وطار القطيع في لحظة مع قطعة النقود الطائرة في الهواء ولم تتمالك الزوجة السفيهة نفسها فانتحَرَت، ولحق بها زوجها بعد ذلك إلى الآخرة! ولكن هذه المرأة الأمريكية التي تتمتع بكل هذا الهيلمان والنفوذ لم تَقْنَع بما هي فيه، ظلَّت تحارب لكي تُوسِّع من دائرة نفوذها، وظلَّت تكسب دائمًا حتى أصبحتْ نِدًّا للرجل، وأصبحت العصمة في يدها، ودخلت جندية في الجيش، وقائدة في الأسطول، وسائقة في السكة الحديد، وعسكري شرطة وهي موجودة في كل وقت وفي كل مكان ورغم كل شيء! ونهار أمه أزرق ويوم الذين أنجَبُوه أسود من قَرْن الخَرُّوب إذا أقدم أمريكي على تطليق زوجته، كل ما يملكه يذهب نصفه إليها حتى البيت الذي يسكن فيه، ولكن إذا طلبت هي الطلاق بدون أسباب إلا لأنها لا تطيقه أو لم تَعُد تستسيغه، أو لأن دمه أصبح ثقيلًا على قلبها، ففي ستين ألف سلامة، ولأن التوازن غير موجود بين الرجل والمرأة، ارتفعتْ نِسبة الطلاق الآن إلى ستين في المائة من مجموع الزيجات؛ أي إنك ستصادف في أمريكا بين كل عشرة نساء، سِتًّا منهن مطلَّقات! الْتَقَيتُ في كولورادو بامرأة مُطلَّقة تعمل جرسونة في بوفيه الفندق، وكانت سمينة ولا بقرة فريزيان، وحمراء اللون ولا بطيخة مصري، ومقبلة على الحياة ولا فتاة في العشرين! واكتشفت أنها عريقة في التطليق، وأنها طُلِّقَت مرتين في المرة الأولى قالت لأنها اكتشفت أنها كانت صغيرة وكانت ساذجة، وفي الثانية لأنها أُصِيبتْ بالضجر، فقد كان زوجها مندوبًا تجاريًّا لإحدى شركات الأدوية، وكانت وظيفته هي السفر بلا انقطاع بين الولايات لتسويق إنتاج الشركة، واكتشفَتْ أنها إذا بقيت حبيسة في جدران البيت فسيمضي العمر دون أي شعور بالسعادة، ودون أي مشارَكة حقيقية في الحب! وعندما تم الطلاق — حسب رغبتها — أخذَت معها أولادها بعد أن تعهَّدَت بكفالتهم ورعايتهم إلى نهاية العمر، ثم غادرت الولاية التي كانت تقيم بها وجاءت إلى كولورادو واشترتْ بيتًا، وألحقتْ أولادها بالجامعة، وتفرَّغت هي لمهنتها كجرسونة في النهار، ولبهجتها في الليل! وهي بهجة تكلفها الكثير؛ لأنها تنتقل كل ليلة من سرير إلى سرير ومن أحضان رجل إلى أحضان رجل، وهي ترمي شِبَاكها على هؤلاء الذين يَمرُّون في كولورادو وفي زيارة عابرة، والغريب أعمى ولو كان بصيرًا، وامرأة جرسونة وسمينة في ليلة غربة خير من لا شيء! ولقد دَعتْنِي على الغداء في بيتها ولبَّيْت الدعوة، واكتشفتُ أنها تسكن في فيلا تُحيطها حديقة مزروعة بالورد ومغروسة بأشجار التين والتفاح وأنواع أخرى من الفاكهة، وأولادها؛ بِنت في الجامعة وولد في المرحلة الثانوية، وبِنت تعمل في شركة طيران أوريانت، وولد آخر هَجَر البيت منذ زمن بعيد ورحل بعيدًا إلى ولاية في الشرق! والبنت التي في الجامعة على علاقة بولد عربي اسمه عبيد، وهي تعلق صورته في غرفة الصالون، والبنت الموظَّفة تعيش مع رجل يعمل معها في الشركة، تعيش هكذا فهي لا تؤمن بالزواج، وتعتقد أن الزواج اختراع بشري ثَبَت فساده! والدليل على ذلك هو المصير الذي انتهت إليه أمها، وكذلك مصير غالبية النساء اللواتي يَسكُنَّ في الجوار! واكتشفْتُ أنا أن في الشارع الذي تَقطُنه الست الجرسونة أكثر من مائة امرأة مطلَّقة!
وفي لوس أنجلوس الْتَقيتُ في فندق هيلتون ببنت نصفها إسكيمو ونصفها أمريكي للأسف، وهذا التعبير «للأسف» ليس من عندي، ولكن حقوق النطق محفوظة للبنت إياها! والبنت النص نص أشهَد أنَّها طرية كما قطعة الجاتوه، شَهيَّة كما طبق المهلبية، فاتنة كما الصباح الجديد، وهي تشتغل بالأعمال الحرة وجمالها هو رأسمالها، وشبابها هو تجارتها، وهي ليست آسفة ولا نادمة، فهي امرأة أعمال، وإذا كانت الأعمال بالنيات، فهي أحيانًا بالأرداف، وهي تكسب ١٥ ألف دولار شهريًّا، تدفع منها خمسة آلاف للمافيا، وهي التي تدير كل شيء في العالَم السفلي، من أول نوادي القمار إلى العاهرات في الفنادق الكبرى! البنت الإسكيمية الأمريكية جرَّبَت الزواج مرة واحدة ثم أعلنَت توبتها، وليه يا بتاعة الإسكيمو؟ لأنها لا تستطيع أن تَقبَع في البيت في انتظار رجل خرج للعمل! ثم هي تحب الفلوس، والزواج طريق إلى الفقر، وهي طموح والزواج يقتل الطموح، وهي موهوبة والزواج مَقبَرة للعبقرية! والبنت أمها كانت من صنف الإسكيمو وأبوها كان أمريكيًّا ينحدر من أصول ألمانِيَّة، وعندما تزوَّجَت اختارت رجلًا من أصل هولندي، كان يُثرثر كثيرًا وهو جالس على مائدة العشاء، وينام وهو جالِس أمام التليفزيون، وذات صباح نهضَتْ من الفراش وتركته مع شَخيره وأحلامه وهجَرَت البيت وطلَبَت الطلاق، هكذا ببساطة وبلا مُقدِّمات، وهكذا أيضًا أقسمت برأس أمها، أن زوجها الهولندي سيكون هو زوجها الأول والأخير.
وستجد مئات وأُلوفًا من النساء يَتجوَّلْن ضائعات بين الولايات فالبنتُ بعد السادسة عشرة حُرَّة تعيش مع أمها إذا أرادت، تُفارِق أهلها إذا شاءت، تتزوج إذا رَغبتْ، تَطلبُ الطلاق إذا خطر لها ذلك، وعندما زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده، وأصبحَت المرأة الأمريكية المُطلَّقة أرخص من السيجارة، وهي أرخص من عقب سيجارة إذا كانت قد فارقَت سِنَّ الشَّباب، انتهى العيد الذهبي للمرأة حين كانت إمبراطورة في البيت وشريكة في العمل، ونادرة مثل القطع الذهبية! ولم يَعُد للمرأة الآن إلَّا بعض القشور، وهي للاستهلاك القومي فقط، وللزينة والرسميات … مثلًا، لا يستطيع رئيس أمريكي أن يتقدم ويطلب من الجماهير انتخابه إلا إذا كانت معه امرأة مُتعلِّقة بذراعه، وهو عليه أن يربت على خَدِّها ويمسح على شَعْرها أمام الجماهير، وهي عليها أن تفتح فَمَها عن ابتسامة متفائلة، وقد يذهب كل منهما بعد ذلك إلى البيت الأبيض أو البيت الأصفر، ليرفع كل منهما عَقِيرته بالصياح في وجه الآخر، نَفْس الشيء ينطبق على المُحافِظِين وعلى أعضاء مجلس النُّوَّاب ومجلس الشيوخ، وهؤلاء النواب يَجوبُون دوائرهم الانتخابية مع زوجاتهم يُلوِّحون للجماهير ويبتسمون للأطفال! وبعد الانتخابات سيهرب هؤلاء المحترمون من الشيوخ والنواب إلى العاصمة تاركين زوجاتهم في دوائرهم الانتخابية حتى موعد الانتخابات التالية!
لقد أخذَت المرأة الأمريكية حقوقها كاملة وهي تدفع الثمن الآن، تدفعه من أعصابها ومِن وقتها، ففي وسائل المواصلات أراهنك إذا صادفتَ أمريكيًّا واحدًا يُخلي مكانه لامرأة، ويُحذِّرونك إذا كنتَ مسافرًا على الطرق السريعة من خَطر التوقُّف لنجدة رجل أو امرأة نعم أو امرأة، ولو كانت وحيدة، فما الفَرْق بين الرجل والمرأة وإذا كان هناك احتمال أن يكون الرَّجُل من عتاة المجرمين، فالاحتمال وارد بالنسبة للمرأة أيضًا، لقد أصبحَت المرأة بعضلات ولها شوارب، وبعض النساء كان لهن ذقون كالمأسوف على ذقنها جُولدَا مائير!
ولقد حصلَت المرأة في أمريكا على حُرِّيَّتها، ولكنها حصلَت في الوقت نفسه على تعاستها، وشهدت أمريكا في السنوات الأخيرة أسوأ وأردَأ ألوان الجريمة والتعاسة والضياع من صنوف النساء، ولكن هذه رواية أخرى، وسنرويها لكم على كل حال.