ونصفها … للأسف!
أمريكا هي بلد الرَّخاء والوفرة والشبع والامتلاء، وهي أرخص بلد على ظهر الأرض؛ لأنها لا تستورد شيئًا من خارج الحدود إلا في أضيق الحدود، وأَهم وارداتها النفط مع أنها منتجة للنفط، ولكن الذكاء الأمريكي جعل الأمريكان يحتفظون بنفطهم بينما هم يستهلكون نفط الآخَرِين، وعملية استيراد النفط من الآخرين عملية مُربِحة؛ لأنهم يبيعون مقابل النفط سيارات أمريكية، وثلاجات أمريكية، وأسلحة أمريكية، وتكنولوجيا أمريكية، ويا بَخْت من نفَّع … واستنفع! ولكن تبقى في أمريكا سلعة واحدة عزيزة وغالية الثمن، هذه السلعة هي المرأة الأمريكية! وأصل الحكاية أنه عندما وفد المهاجرون الأوائل على الشاطئ الأمريكي كانوا ولا مؤاخذة من صنف القتلة والمجرمين! وكان يُشتَرط فيمن يريد الهجرة إلى أمريكا أن يكون شابًّا وقويًّا وقاسيًا بالدرجة الكافية، وقاتلًا محترفًا؛ لأن الرحلة وقتئذٍ لم تكن بهدف السياحة، ولكنها كانت بهدف السِّفاحة … وهو المصدر الذي اشْتُق منه فعل: سفح يسفح فهو سفاح! لم تكن الرحلة سهلة ولا مُعبَّدة ولا مُمهَّدة، وكانت الأخطار تكمن في كل شبر، والبلاوي تترصَّد المهاجرين في كل ركن، وكان الشعار المرفوع: قاتل أو مقتول! ولذلك خَلَت المراكب التي حمَلَت هؤلاء المُقامرين من صِنف النساء، وهكذا وجَد المهاجرون أنفسهم بعد أن وضعوا أقدامهم على الأرض الجديدة في نفس المجتمع الذي ألِفُوه … مجتمع السجن! سجن ولكنه هذه المرة مفتوح، ولهم مُطلَق الحرية في السجن الجديد بارتكاب جريمة القتل دون عقاب، بل ربما نالهم الثواب والتقدير، ولكن لم يكن معهم نساء وأطفال، ولذلك — أيضًا — حَرص هؤلاء المهاجرون في المعارك التي نشبت بينهم، وبين قبائل الهنود الحمر على اختطاف النساء أحياء، وكانوا يَغتصبونهن بوحشية ويعبثون بأجسادهن بنذالة، ثم يُطلقون النار عليهن في النهاية، ويُلقون بجُثَثهن في العراء! وعندما أحْكَم القتَلَة قَبْضَتهم على أجزاء شاسعة من أراضي الهنود وشعروا بشيء من الاستقرار، عندئذ جاءت المراكب وعليها بعض النِّسْوة، ولكنهن كُنَّ من نوع واحد وتم جَلبُهن لغرض واحد، هو التَّرفِيه عن «الأبطال» الذين فتحوا العالَم الجديد! وأُقيمَت هنا وهناك صالونات وفنادق وبارات، كانت تُقدَّم الغرفة مع البِنْت، والمشروب مع النَّدِيمة، وكان على من يريد أن يستأنس أن يدفع كثيرًا، فقد كان الطلب على ودنه والعرض قليلًا! ومن أَجْل الصراع على البنات، ربما مات من البِيض أضعاف ما ماتوا في معارك مع الهنود! فكما كان أسهل مِن سَحْب المُسَدَّس وإطلاق النار إذا وجد الفارس المتعطش أن هذا هو الطريق للفوز بما يريد! وحتى خلال أيام البحث عن الذَّهَب، كان البعض يذهب ويغيب في باطن الأرض أيامًا وأسابيع، يُنقِّب بين الحجارة والتراب في عروق الذهب المختفية هنا وهناك، فإذا عاد إلى المدينة، وضع كل ما عَثَر عليه من المعدن النفيس تحت أقدام غانية تلطخ وجهها بكل أنواع المساحيق! وعندما جاءت النساء الفاضلات بعد ذلك، كُنَّ مُتديِّنات حتى النخاع، وكان مَهرُهن غاليًا، وكان لا يَقدِر عليه إلا أصحاب الدخول الكبيرة، وأصحاب المُسَدَّسات السريعة! وكانت المرأة في ذلك الزمان إذا رَضِيَت بالرجل زوجًا، فهي شريكة له في كل ما جَنَت يداه، وفي كل ما يصل إليه بعد ذلك، وأصبحَت المرأة إمبراطورة في البيت وشريكة في العمل، وبُعْبُع الرجل، وشَبحًا يطارده في كل مكان! ويحتفظ تاريخ أمريكا بقصص حقيقية لنساء مُدمِّرات، ولكنها قصص أغرب من الخيال؛ امرأة شابة في دنفر في ولاية كولورادو، وهي واحدة من أجمل وأغنى ولايات أمريكا، وتحيط بدنفر سلسلة جبال عظيمة تنساب منها شلالات عاتية، ومن هذه الشلالات تتكون عند السفوح بحيرات أعظم، وفي بطن الجبال كان يوجد يومًا ما أغنى مناجم الذهب التي عرفتها أمريكا، يقولون إن زوجة شابَّة كانت تسكن قصرًا في بنسلفانيا بوليفار حي الأثرياء في دنفر بدَّدَت في سبعة أعوام أرباح خمسة مناجم ذهب كان يملكها زوجها، ولم يفعل زوجها شيئًا سوى أنه صعد إلى قمة الجبل وألقى بنفسه من هناك، وعثروا على جثته بعد ذلك في إحدى البحيرات! ويقولون إن سيدة من نيو أورليانز راهنَت برأسمال زوجها كله والبالغ مليون دولار في المراهنة على سباق العربات التي تَجرُّها الخيول، ولم يعرف زوجها بالأمر إلا بعد أن فرَّتْ من المنزل، وبعد أن أعيَاه البحث عنها في كل مكان، عاد إلى منزله في نيو أورليانز ولَزِم الفِراش صريع الحُمَّى عدة أسابيع، وعندما نهض من فراشه وذهب إلى البنك ليسحب بعض النقود اكتَشف أن رصيده على المكشوف، وسقط الرَّجُل أمام موظف البنك مصابًا بالذَّبْحة ومات بعد ساعات!