مقدمة المؤلف
لَهجَتْ الجرائدُ في هذه الأيام بذِكْر أحوال الأمة الأفغانية المعروفة بعزَّة النفس وشدَّة البأس وعلو الهمة، التي لم تسمح نفوسها بأن تستظل بظل العجز، ظِلِّ المكر والحيل والخداع القاضي على المستظلين به بالذل والهوان، ولم ترضَ الدخول تحت حماية الحِضْجَرِ المبتلى بجوع البقر والاستسقاء الذي لم يشبعه ابتلاع مائتي مليون من الناس، ولم تروِه مياه التمس والقنج؛ بل فغر فاه ليبتلع بقية العالم ويجرع مياه النيل ونهر جَيحون. وقادها شرف النفس لاختيار الموت الفاضل على الحياة الدنيئة، تحت سطوة أجنبيين، وإن اقترنت برغد العيش وطيب المطعم والمشرب، فقام أميرها مستشيرًا وزراءَه الذين هم على أخلاقه، فاجتمعت آراؤهم على إرغامها برد سفارتها؛ لما عهد فيها من نقض العهود والمواثيق والتهاون برعاية الذمم، كما أرغمها آباؤهم في الأزمنة الخالية، حيث فتكوا برجالها وصرعوهم بحد سيوفهم.
وها هي مصارعهم تشهد بذلك إلى الآن، فحدا بنا ذلك إلى ذكر مجمل أحوالها السابقة واللاحقة، وعاداتها، وأخلاقها، ونمط حكومتها وطرز بلادها، وذلك في فصول.