خاتمة الكتاب
إن البلاد الأفغانية، لاختلاف أبعادها عن خط الاستواء، ووجود الجبال العالية والأودية المنخفضة فيها، تختلف أهويتها حرارة وبرودة على حسب المواقع، وتتغير بتغير الفصول والأزمان، ولكنها جيدة للصحة؛ لخلوها من العفونة والفساد، وقلَّما تقع فيها الأمراض الناشئة عن فساد الهواء كالأمراض الوبائية، وبيوت المدن والقرى طبقة واحدة مبنية غالبًا باللَّبن، خالية عن الزخرف والزينة إلا مدينة كابل، فإن جل أبنيتها بالأخشاب والأحجار وقد يوجد في بعضها حدائق وجداول وحياض، وشوارعها وأزقتها ضيقة معوجة خلا شوارع مدينة قندهار، فإنها واسعة مستقيمة، والجوامع المشيدة المزخرفة التي كانت في تلك البلاد في الأزمنة السالفة صارت بسبب توالي هجمات الأعداء ودوام المحاربات خاوية على عروشها إلا القليل منها، وأما ما يوجد منها الآن فإنها خالية من الإحكام والمتانة، عديمة الزخارف والزينة، وتحيط بالمدن والقصبات أسوار عليها أبراج على الطراز القديم لا تقاوم المدافع وإنما هي سد لهجمات الفرسان، نعم، إن لكل من مدينة هرات ومدينة كابل مناعة فإن الأولى مسورة بسور محصن بأتربة تمنع تأثير أكر المدافع، والثانية محاطة بجبال عليها أبراج واستحكامات يمكن بها مدافعة العدو زمنًا طويلًا.
وأراضي الأفغان قابلة لأنواع المزروعات ترويها أنهر ونهيرات، ولكن لكثرة الفتن وعدم مهارة الأهالي في فنون الزراعة وإحكام الجسور، وحفر الترع، وبناء القناطر، تكون غالب الأراضي معطلة وتذهب الأنهر في الأودية والأراضي المرملة بلا انتفاع يعتدُّ به، ومع ذلك فالأهالي يزرعون البُرَّ والشعير، والأرز والذرة، والدخن والباقلة، والحمص والبقول، والخضراوات، وغيرها مما يقوم به معيشتهم، ولا يهملون زرع قليل من القطن والتنباك والأفيون والحشيشة للتجارة، ويسعون بقدر طاقتهم في غرس الأشجار وتربيتها، كالكرم والخوخ، والمشمس والكمثرى، والتفاح والسفرجل، والرمان والجوز، واللوز والعناب، والفستق والتوت وغيرها، وأهالي هرات يربون دود القز، ويزرع في جلال آباد قصب السكر، ويوجد في بعض الجبال الأفغانية كثير من الصنوبر والمصطكي والفستق البري والجميز، وكل الفواكه الموجودة في تلك البلاد في غاية الجودة.
والصنائع في تلك البلاد قليلة جدًّا، وهي ما ورثوه عن آبائهم من غير اهتمام بإجادته وإتقانه، فمنها نسيج الأقمشة الحريرية، وعمل صنف من الكشمير غير الملون المسمى عندهم «پتو» بالباء الفارسية، والفراء «الكرك» من جلود الحمل في مدينة كابل، ومنها عمل الأبسطة الملونة الجيدة في هرات، ومنها الجوخ المسمى ببرك كما أشرنا إليه سابقًا في قبيلة هزاره، ويوجد في كابل وقندهار معامل صغيرة لاصطناع المدافع والبنادق والسيوف.
ومعاملات بلاد الأفغان التجارية لم تكن غالبًا إلا بينها وبين الهند وبخارى وإيران، فالصادر منها إلى الهند هو الصوف والقطن والفواكه والنقل بأنواعه تحمل على ظهور الإبل، وإلى إيران البرك والفراء وصنف من النعال وشيلان الكشمير المجلوبة إليها من بلاد كشمير و«عنبر سر»، ويجلب إليها من بخارى والهند الجوخ وأقمشة الكتان والقطن والشاي والسكر والزجاج والخزف الصيني والقرطاس والفولاذ والحديد والنحاس والزئبق ودود القز والعقاقير، وغير ذلك، ومن إيران الأقمشة والأسلحة، ويوجد فيها معادن كثيرة ولكن الأهالي غير قادرين على استخراجها والانتفاع بها، ومنها معادن الذهب في قندهار، ومعدن الحديد في بلاد «خست وكرم»، ومعدن الياقوت في كابل، ومعدن الحديد والكبريت، والياقوت، واللازورد في بدخشان، وغير هذه توجد معادن كثيرة معطلة. وهذا ما أردنا بيانه في كيفية سلطنة الأفغانيين، ووضع بلادهم، وطرق تعيشهم وسرد قبائلهم، والله ولي التوفيق.