في نسب هذه الأمة
وقد اختلف أرباب التواريخ في منبت هذا الأصل، فقال بعضهم: إنهم من طائفة الخزر كانوا يسكنون بسواحل بحر «كاسبتان» وفي «باب الأبواب» و«الشروانات» وكانوا يغيرون على بلاد إيران وينهبون ممالكهم، ثم نقلهم بعض الملوك إلى شرقي بلاد خراسان في زمن غير معلوم، ونسبه بعض من لا خبرة له بالتواريخ إلى الأمير «تيمور الكوركان»، وضعفه ظاهر؛ إذ الأفغانيون في أماكنهم هذه من قبل زمان تيمور بقرون، وقال بعضهم: إنهم من أولاد الضحاك الذي اشتهر عنه في «ميثولوجيا» فارس بأنه كان له سَلعتان بكتفيه يوهم أنهما ثعبانان، وقال بعضهم: إنهم من الآشوريين الكلدانيين حتى إن بعض سياح الإفرنج ادعى أنه يوجد في اللغة الأفغانية بعض من الألفاظ الكلدانية، وقال بعضهم: إن هذه الطائفة التي ملأت الجبال الواقعة بين نهر «أتك» و«خراسان» — أعني طائفة الأفغان — من نسل الأقباط المصريين الذين كانوا مع «سوزستريس» حين افتتاحه البلاد الهندية، وقال بعضهم: إنهم من أسباط بني إسرائيل وإن «بخت نصر» أسكنهم بعد قتل كثير منهم في الجبال المسماة «قوهستان غور» أو «غور» فقط، وقال: إنهم سَمَّوا مسكنهم الجديد بهذا الاسم؛ تذكارًا للوادي الكائن بأرض الشام المسمى بغور، وسموا ببغتو الذي هو محرف عن «بختو» نسبةً إلى «بخت نصر»، فإن الواو في الفارسية كياء النسبة في العربية، كما أشرنا إليه سالفًا، ثم تكاثر عددهم فتسلطوا على تلك الجهات، وكان بينهم وبين يهود البلاد العربية مراسلات، ولما دخلت يهود العرب في دين الإسلام بعثوا برجل منهم يسمى خالدًا إلى بلاد الأفغان يدعونهم إلى الدخول في دين الإسلام، فأرسل الأفغانيون جماعة من أمرائهم، وكان فيما بينهم رجلٌ يسمى قيسًا، يتصل نسبهُ إلى أسباط بني إسرائيل بسبع وأربعين واسطة، وإلى إبراهيم بخمس وخمسين واسطة، فقدمهم خالد إلى الرسول ﷺ، وصاروا مشمولين بعنايته، وخصَّ قيسًا بعواطفه الخاصة وسماه عبد الرشيد، ولقبه بالأمير، وقال ﷺ: إنه حقيق بهذا اللقب؛ لأنه من نسل سلاطين بني إسرائيل، وهؤلاء المرسلون قد وافقوا النبي ﷺ في فتح مكة وظهرت عليهم آثار الجلادة في تلك الواقعة، ثم رجع قيس إلى بلاده مصحوبًا برفقائه بعد أن دعا النبي — عليه الصلاة والسلام — له بالخير والبركة، وأصحبه أيضًا بجماعة من أهل المدينة؛ لتأييده في ترويج أمر الإسلام وإقامة مراسم الدين الحقيقي في جبال «غور» الواقعة في خراسان، وبعد وصول قيس إلى تلك الجهات أفرغ جهده في جلب قلوب أتباعه إلى دين الإسلام، وقد نال مقصده بدخولهم جميعًا في هذا الدين، وتوفي قيس في سنة ٤٠ من الهجرة عن سبع وثمانين سنة، وخلَّف ثلاثة أولاد ذكور، وذهب بعضهم إلى أن نسبه يتصل إلى شاءول، وله جميل ذكر إلى هذا الوقت في بلاد الأفغان، حتى إن أمراءهم يجتهدون في إيصال نسبهم إليه، وللأفغانيين شجرة أنساب يعتمدونها إلى هذا العهد تؤيد هذا الأصل — أعني أنهم من نسل أسباط بني إسرائيل — إلا أنه لا يوجد أدنى مشابهة بين لسان «بشتو» وهو لسان الأفغانيين وبين اللسان العبري أصلًا.
نعم، إن اعتقادهم بكونهم من هذا الأصل مع بعد المسافة بين أراضيهم ومقر الإسرئيليين ووجود محل يسمى ﺑ «خيبر» في بلادهم ربما يوجب ظن البعض بصحة هذه الرواية. وقال بعضهم: إنهم طائفة من الأرامنة كانوا ساكنين في «شروان» التي كانت تسمى سابقًا «ألپان» بالباء الفارسية، ويؤيد ذلك أنَّ الكنائس الواقعة في «قراباغ» المتاخمة لشروان تسمى إلى هذا العهد «بقندسار»، ويقال لكبير تلك الجهات «أغوانج» ومعنى أغوانج في لغتهم كبير الأغوان، وإن الأرامنة الساكنين في «كنجة» و«روان» و«نخجوان» و«كيلان» يفتخرون بهذا الاسم — أعني «أغوان» ويدعون الأغوانية — فيحتمل أن يكون لفظ أفغان محرَّفًا عن أغوان أو ألبان، وأن يكون رئيس القندسار بعد انتقاله إلى مقامهم الآنيِّ وإقامتهم بخطة قَنْدهار سماها بهذا الاسم — أعني قندسار ثم حرَّف إلى قندهار — ويظهر من أطوارهم أنهم حين مهاجرتهم من أوطانهم الأصلية إلى مستوطناتهم الحالية كانوا متدينين بالديانة النصرانية، ثم أسلموا فيما بعد، وقد يوجد فيهم إلى الآن آثار بعض عادات جدودهم كوضعهم ما يشبه شكل الصليب على أقراص خبزهم.
قول هذا البعض وإن لم يكن خاليًا عن الصحة بالمرة، إلا أن تجويزه كون قندهار محرَّفًا عن قندسار يدل على قلة بضاعته في فن التأريخ؛ لأن قندهار من المدن القديمة الشهيرة المذكورة في «مهابران» كتاب ميثولوجيا الهنود، وقال بعضهم: إن هذه الطائفة كانت موجودة بتلك الجبال من عهد قديم على امتيازها على غيرها من الطوائف حتى قال: إنَّها هي التي حاربت مع إسكندر الرومي، بل كانت في زمن «كشتاسب» وكانت تابعة لولاية «سجستان» تحت حكم رستم المشهور، وكانت تدفع له في كل عام عشرة جلود من جلد البقر باسم الخراج، ثم جاهرته بالعصيان، وامتنعت عن دفع هذا الخراج الجسيم، إلا أنه استظهر عليها، وأرجعها إلى طاعته، والحق أن هذه الأمة من أصل إيراني وأن لسانها مأخوذ من لسان «زندواستا» وهو اللسان الفارسي القديم، وله مشابهة تامة بالفارسية المستعملة الآن، وإن متأخري المؤرخين كفرنسيس لنورمان وغيره يؤيدون هذا الرأي.