«هدى» … تقع في الخطأ!
في حجرة «أحمد» داخل الفندق، عقد الشياطين اجتماعًا … كانوا قد تناولوا طعام الغداء في مطعم الفندق ثم أخذوا طريقهم إلى حجرة «أحمد» مباشرةً.
قال «أحمد» بعد أن رآهم يَنظُرون إليه في انتظار أن يبسط الخطة التي فكَّر فيها: إننا في حاجة إلى دخول المستشفى. وبدون ذلك، لن نستطيع عمل شيء. وأظنُّ أن اختيار رقم «صفر» ﻟ «زبيدة» و«هدى» معًا، يُشير إلى ذلك …
سكت لحظة، ثم أضاف: سوف أطلب من عميل رقم «صفر» في «إستنبول» أن تدخل «هدى» المستشفى مُرافِقةً لإحدى السيدات الحوامل. وسوف يكون دور «هدى» أن تتعرَّف على واحدة من ممرضات المستشفى، وأن تعقد معها علاقة. فإذا استطاعت أن تفعل ذلك بسرعة نكون قد حدَّدنا خطوتنا القادمة …
سكت «أحمد» فقال «قيس»: إن مهمة «هدى» إذن، سوف تكون هي المغامرة كلها!
رد «أحمد»: لن تكون هي المغامرة كلها. إنها ستكون الخطوة الأولى فقط. وبعد ذلك سوف تنضمُّ «هدى» لهيئة تمريض المستشفى، حتى تُمدَّنا بالمعلومات اللازمة.
نظر إلى «هدى» وأضاف: إنَّ أي خطأ، ولو بسيط يمكن أن يؤدي إلى فشل مهمتنا كلها!
نظر إليهم جميعًا ثم سأل: هل توافقون؟
وافق الشياطين على خطة «أحمد»، فقام بسرعة إلى التليفون ثم طلب عميل «صفر». جاء صوت العميل يُرحب بهم، ثم قال قبل أن يتحدث إليه «أحمد»: إن كل شيء جاهز، وهناك سيدة سوف تدخل المستشفى الليلة، وسوف تكون «هدى» مرافقة لها كبنتِ خالتها، إنَّ اسم «هدى» سوف يكون «توركان».
صمت العميل لحظة ثم قال: سوف تمر السيارة على «توركان»، أقصد «هدى» في تمام الساعة الثامنة. توقَّف مرةً أخرى، ثم سأل: هل هناك شيء آخر؟ …
شَكره «أحمد» ثم وضع السماعة، واتجه إلى الشياطين كانت ابتسامة عريضة تُغطِّي وجهه. حتى إن «هدى» سألت: ما السبب؟ …
اتسعت ابتسامة «أحمد» أكثر وهو يقول: فلتكن الآنسة «توركان» جاهزةً في الثامنة تمامًا …
نظَر الشياطين إلى «أحمد»، وقال «قيس»: توركان! …
رد «أحمد»: سوف يكون اسم «هدى» في المستشفى، «توركان». وسوف تصحب السيدة الحامل الليلة توقَّف لحظة، ثم قال: يبدو أن هذه كانت خطة الزعيم أيضًا؛ فقد كان العميل في انتظار مكالَمتنا فقط. ولو كنا قد تأخَّرنا لكان قد اتصل بنا.
شرَدَت «هدى» لحظة، وهي تُردد: «توركان» … اسم بديع فعلًا! …
قال «قيس» بسرعة: بجوار أنه اسم تركي أصيل!
انتهى الاجتماع، فانصرَف كلٌّ من الشياطين إلى حجرته على اجتماع في السابعة والنصف. كانوا يعدُّون أنفسهم لعمل الليل بجوار المستشفى، في الوقت الذي تكون فيه «هدى» بالداخل، وعلى اتصال بهم. وعندما أعلنت الساعة السابعة والنصف، كانوا جميعًا في حجرة «أحمد» مرة أخرى. أخذوا يتناقلون أحاديث متفرقة. وعندما نظر «أحمد» في ساعة يدِه ووجدها الثامنة إلا خمس دقائق، نظر إلى «هدى» وهو يقول: الآنسة «توركان» على موعدٍ الآن! ابتسموا جميعًا وودَّعتْهم «هدى» ثم انصرفت. في نفس الوقت، تحرَّكوا هم أيضًا خلفها، حتى يرَوا ما سوف يَحدُث …
أمام باب الفندق، وقفت «هدى» في هدوء، بينما أخذ الشياطين جانبًا. بعد دقيقتين، وصلت سيارة «مرسيدس» خضراء، ثم توقفت أمام «هدى» تمامًا. نزل السائق بسرعة، ثم فتح لها الباب. دخلت «هدى» إلى المقعد الخلفي، حيث كانت إحدى السيدات تجلس، وقد التفَّت في عباءة بيضاء. حيَّتْها «هدى» وهي تقول: «توركان»! …
قالت السيدة: أهلًا بكِ يا ابنتي. اسمي «خديجة أوغلي» …
كانت السيارة قد انطلقت، بينما كان الشياطين يقفون على الرصيف، يتابعونها بعيونهم، حتى توقفت بعيدًا، ولم يكن يظهر سوى أنوارها. كان الليل قد هبط، وكانت انعكاسات النور على سطح الخليج تجعله كمهرجان أضواء صفراء، وخضراء، وحمراء، وبيضاء. فعلى طول الشارع كانت توجد المحالُّ السياحية والفنادق.
قال «عثمان»: ليل رائع، لكن الأكثر روعة أن نذهب إلى المستشفى!
أخذوا طريقهم إلى هناك، في نفس الوقت الذي انقسَمُوا فيه إلى مجموعتين. مجموعة تضم «أحمد» و«زبيدة» ومجموعة تضم «عثمان» و«قيس». كان على مجموعة «عثمان» أن تتجه إلى خلف المستشفى. في الوقت الذي تظلُّ فيه مجموعة «أحمد» أمامه. اتجهت مجموعة «عثمان» إلى مكانها المحدَّد. وأخذ «أحمد» و«زبيدة» يقطعون الطريق أمام المُستشفى على مهَل.
قالت «زبيدة»: تُرى، ماذا تفعل «هدى» الآن؟
كانت «هدى» في هذه اللحظة، تجلس إلى منضدة صغيرة، بجوار سرير السيدة «خديجة أوغلي»، وأمامها، كانت توجد استمارة بيضاء، تملؤها. كانت تسأل السيدة عن اسمها الكامل. وسنِّها، وشهور الحمل، وهل أنجبت قبل ذلك. كم عدد أولادها. وكانت السيدة تُجيب في إجهاد واضح. انتهت الاستمارة الأولى، ثم بدأت تملأ بيانات الاستمارة الثانية وكانت خاصة بالمرافقة. كتبت أمام الاسم: «توركان أوغلي». وأمام درجة القرابة: ابنة أخ. ثم أكملت بقية البيانات التي كانت عادية. متزوِّجة أم لا. كم سنها. وهكذا …
وعندما انتهت من ملء الاستمارات، قالت للسيدة «خديجة»: سوف أذهب لتسليم الاستمارتين.
فتحت «هدى» الباب ولم تكد تخطو خطوة واحدة، حتى كان صوتٌ قويٌّ يصرخ فيها، جعلها تتوقف، وتنظر في اتجاه مصدر الصوت. رأت رجلًا في حدود الخمسين يلبس بالطو أبيض. وعلى عينَيه نظارات طبية. كان يبدو حاد القسمات، منفعلًا، قال لها: إلى أين؟ …
وبهدوء أجابت: إلى الاستعلامات، لتسليم …
فقاطعها الرجل قبل أن تُكمل: وهل طلب أحد منك ذلك؟ …
قالت «هدى» في هدوء، وبابتسامة: لا، غير أني فكرت أن أقوم بتسليمها، فربما يكون المُستشفى في حاجة إليها.
نظر لها الرجل لحظة، ثم مدَّ يده، فأخذ الاستمارتين في هدوء، دون أن ينطق بكلمة واحدة. مرَّت لحظة كانت عيناه خلالهما تمرُّ على الاستمارة الأولى، ثم الثانية. وعندما انتهى، سألها: هل تعرفين تعليمات المستشفى؟ …
قالت مبتسمة: لا …
قال: ألم تَقرئي اللافتة الموجودة في الخارج؟ …
قالت: لقد كنتُ مشغولة بعمتي؛ فهي مُتعَبة جدًّا، حتى إنني كنتُ أبحث عن الدكتور «جوتار».
هدأت قسمات وجه الرجل، ثم قال: ولِمَ؟ …
أجابت «هدى»: إن خالتي مُتعَبة جدًّا!
نظر لها قليلًا، ثم سأل: وماذا يعني هذا؟
قالت بدهشة مُصطَنعة: يعني أنها قد تلد في أي لحظة!
قال الرجل بهدوء: وهل هذه مسئوليتك؟
كانت «هدى» تريد أن تعرف من هذا الرجل. ولذلك افتعلت هذا الحديث الطويل. بل إنها قالت أشياء لم تكن قد فكَّرَت فيها قبلًا. قالت «هدى»: يا سيدي، إنَّ هذه عمتي، ويُهمُّني بالتأكيد أن تكون بخير!
قال الرجل: أظن أن هذه مسئولية المستشفى، وليست مسئوليتك!
رسمت «هدى» غضبًا تمثيليًّا على وجهها وقالت: إنَّ مسئولية المستشفى أن ترعى عمتي وهي متعبة جدًّا. لقد عملتُ بالتمريض من قبل، وأعرف ماذا تعني حالتها …
تحرَّكت من مكانها في حدة، وهي تقول: سوف أبحث عن الدكتور «جوتار»! …
ضحك الرجل وقال: لن تَجديه في أي مكان …
قالت ملتفتةً إليه: ماذا تعني؟ أليس موجودًا في المستشفى؟ …
ضحك الرجل وهو يقول: بل هو موجود، إنه أنا …
اتسعت عينا «هدى» دهشة وهي تقول: أنت يا سيدي الدكتور «جوتار» … إنَّ هذه مفاجأة لي …
قال «جوتار» مُبتسمًا: لماذا؟
قالت: كنت أظنك اقتربت من الستين …
ضحك طويلًا، ثم قال: هذا حقيقي، إنني فعلًا اقتربتُ من الستين! …
رسمت «هدى» دهشة غير حقيقية على وجهها وقالت: لكن هذا لا يبدو عليك يا سيدي …
غرق «جوتار» في الضحك، ثم تقدم منها، وربت على كتفها وقال: دعينا من هذا … أين كنتِ تعملين؟!
فكرت «هدى» بسرعة. ثم قالت: في مستشفى «كنجزلي» بإنجلترا! …
اتسعت عينا «جوتار» وقال: إنه مستشفى مشهور. هل كنتِ في قسم الولادة؟ …
قال «هدى» بسرعة: نعم يا سيدي …
فسألها: ولماذا تركتِ العمل؟ …
قالت بعد لحظة تفكير: لقد اشتقتُ لبلدي، بجوار أنني أستعدُّ للزواج قريبًا …
ابتسم «جوتار» وقال: إذن سوف تُصبِحين من زبائني …
رسمت «هدى» خجلًا تمثيليًّا على وجهها وقالت: أرجو ذلك يا سيدي …
تقدم «جوتار»، وهو يقول: تعالَي معي.
سارت بجواره. كانت تشعر بالسعادة. فها هي في النهاية تستطيع أن تتجول في المستشفى ومع الدكتور «جوتار» نفسه، لكن «جوتار» لم يَبتعِد عن حجرة السيدة «خديجة أوغلي»؛ فقد طرق بابها بهدوء، ثم دخل وخلفه «هدى». كانت «خديجة» ترُوح وتجيء في الحجرة وهي تكاد تصرخ.
نظر لها «جوتار» لحظة، ثم قال: لا بأس. لا يزال أمامك بعض الوقت. لا تخافي فأنا أعرف موعدك تمامًا. ثم التفت إلى «هدى» وقال: آنسة «توركان» عندما تحتاجين شيئًا، فهذا جهاز التليفون. إنكِ تستطيعين طلب أيِّ شيء عن طريقه. بداية من الدكتور «جوتار» وحتى كوب الماء! ثم نظر لها مُبتسمًا وخرج.
فكرت قليلًا، ثم تحدثت إلى «خديجة» فأقنعتْها أن ترتاح قليلًا على السرير؛ لأن الليل طويل، وهي في حاجة إلى الراحة لتوفر جهدها للحظة الولادة. فجأةً، سمعت طرقة على الباب، الذي فُتح مباشرةً.
ظهرت شابة متوسطة العمر قالت ﻟ «هدى» في ابتسامة: آنسة «توركان» إنني الممرضة «زندي»، المسئولة عن هذا الجناح، أرجو إذا احتجتِ شيئًا أن تُديري رقم ٥ في قرص التليفون. ثم اقتربت من خديجة وقالت لها: سوف تدخلين غرفة الولادة في الواحدة صباحًا. وحتى هذه اللحظة ينبغي أن تنامي … ثم خرجت …
رقدت خديجة على السرير مُتعَبة، بينما أسرعت «هدى» إلى الحَمَّام الملحق بالحجرة، وأغلقته جيدًا، ثم أخرجت جهاز الإرسال الصغير الذي تحملُه وأرسلت رسالة مُفصلة بما حدث. انتظرت لحظة فجاءها الرد.
كان «أحمد» يقول لها: استمرِّي، إن هذه خطوة طيبة، إن «زندي» يمكن أن تكون صديقة لكِ … ويبدو أن الدكتور «جوتار» قد حدثها بما دار بينكما.
فجأة طرق باب الحمَّام بشدة طرقات متوالية. أسرعت «هدى» وفتحت الباب. كانت «زندي» واقفة على الباب تنظر لها في حدة. قالت لها: آنسة «توركان»، لقد أمر الدكتور «جوتار» بخروجك فورًا من المستشفى …
نظرت لها «هدى» في دهشة، وسألت: لماذا؟
قالت «زندي»: لا أدري، إن هذه أوامر الدكتور …
قالت «هدى»: وعمتي «خديجة» كيف أتركها؟ إنها في حاجة إليَّ!
قالت «زندي»: لا بأس من حضور أحد غيرك …
فكرت «هدى» لحظة، فهمت أنَّ أيَّ أسباب سوف تقولها لن تؤدي إلى نتيجة، بل إنها يمكن أن تُعقد الموقف أكثر.
قالت: لا بأس، كما يُريد الدكتور «جوتار» … وسكتت لحظة ثم سألت: هل يُمكن أن أرسل إحدى قريباتي؟ …
قالت «زندي»: نعم تستطيعين، فقط، يجب أن يكون ذلك بسرعة … أخرجت من جيبها ورقة صغيرة من الورق المقوَّى، مطبوع عليها خاتم المُستشفى واسمها، وقالت: أعطِها لقريبَتِك، حتى تستطيع الدخول بها من البوابة …
اتجهت «زندي» إلى الباب، ووقفت عنده ثم قالت: هل ستتأخَّرين كثيرًا، إنني في انتظارك؟ … ثم خطت خطوة خارج الباب.
كانت هذه مُفاجأة غير متوقعة. إن الخطوة التي حقَّقتها داخل المستشفى، قد جاءت بنتيجة سيئة.
اقتربت من خديجة وهمست لها: سوف أرسل إحدى صديقاتي، إن اسمها جوشن.
قبَّلتها، ثم اتجهت إلى الباب، حيث كانت «زندي» تقف.
سألتها «زندي»: ما اسم قريبتك؟
قالت «هدى»: «جوشن» …
سارت «زندي» فتبعتْها «هدى» حتى باب الخروج، وهناك شاهدت رجلًا ضخمًا، ينظر لها بحدَّة.
قالت «هدى» بابتسامة: إنَّني سيئة الحظ، لقد كنتُ أريد أن أعاونَكِ، فقد درستُ التمريض …
ابتسمت «زندي» وقالت: أنا أيضًا حظِّي سيئ … ثم تركتْها وانصرفت.
فتح الرجل الضخم الباب، فخرجت «هدى». كانت هناك مسافة كبيرة بين باب المستشفى، وبوابة الخروج الحديدية. ألقت «هدى» نظرة متفحِّصة على الحديقة تُحاول أن تلم بتفاصيلها. ورغم أن الإضاءة كانت خافتة إلا أنها استطاعت أن تحدد نقطًا هامة يمكن الاستفادة منها. وصلت في النهاية إلى البوابة، فوقف الرجل الجالس هناك، وفتح لها البوابة. لكنها استطاعت بنظرة واحدة أن تلمح شيئًا جعلها تتوقف، لكن الرجل صرخ: اخرجي.